على الرغم من الأهمية الكبيرة التي شكلتها الإنتخابات الرئاسية الأميركية على مستوى العالم، كان الترقب في كل من ​روسيا​ و​إيران​ هو الأبرز، لا سيما بعد فوز المرشح "الجمهوري" ​دونالد ترامب​ على منافسته "الديمقراطية" ​هيلاري كلينتون​، نظراً إلى أن الرئيس المُنتخب يوصف بـ"الصديق" لموسكو، في الوقت نفسه الذي كان يهدد فيه بإلغاء الإتفاق النووي الموقع بين الجمهورية الإسلامية ومجموعة دول 5+1.

من حيث المبدأ، يختلف الخطاب دائماً بين الحملة الإنتخابية وتحمل المسؤولية الفعلية، لكن ترامب، الذي لا يتمتع بتجربة سياسية واسعة، يثير منذ ظهوره على الساحة الأميركية موجة كبيرة من الجدل حول شخصيته، فكيف قرأت كل من طهران وموسكو وصوله إلى البيت الأبيض؟

ترقب حذر

على هذا الصعيد، يبدو البلدان في مرحلة الترقب الحذر بإنتظار معرفة التوجهات الفعلية التي ستكون عليها السياسة الخارجية الأميركية المقبلة، نظراً إلى أن المؤسسة الحاكمة تلعب دوراً بارزاً في تحديد هذا الأمر، الأمر الذي يؤكد عليه الأستاذ في جامعة موسكو الحكومية ​ألكسندر فافيلوف​، في حديث لـ"النشرة"، عبر الإنطلاق في نظرته من موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد الإعلان عن فوز ترامب في السباق الرئاسي بالولايات المتحدة، ويشير إلى أن الموقف حيادي مع الإستعداد للتعاون في كافة المجالات.

ويشدد فافيلوف على أن إستعداد بلاده للتعاون هو مع الشخص الواقعي، لكن الأمر يكون بالأفعال وليس فقط بالكلام، وبالتالي يجب إنتظار ما سيقوم به الرئيس المُنتخب على هذا الصعيد، خصوصاً على مستوى الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما أن موسكو لا يمكن أن تكون ضد إرادة الشعب الأميركي التي عبر عنها في صناديق الإقتراع.

من جانبه، يشير المحلل السياسي الإيراني ​حسن هاني زاده​، عبر "النشرة"، إلى أن هناك إنقساماً في الشارع الإيراني في النظرة إلى نتائج الإنتخابات الأميركية، بين التيار الأصولي الذي يرى أن هناك فرصة لإختبار مدى جدية الولايات المتحدة في تنفيذ الإتفاق النووي، وبالتالي في حال تنفيذ الرئيس المنتخب الوعود التي كان قد قطعها، فإن طهران قادرة على الرد بالمثل، ما يعني قطع شعرة معاوية في العلاقة بين الجانبين، في حين أن التيار الإصلاحي ينتظر ماذا سيفعل ترامب وسيقوم بطرح القضية على الرأي العام، من منطلق أن الجمهورية الإسلامية قامت بكل ما بوسعها والكرة الآن أصبحت في الملعب الآخر.

وعلى الرغم من هذه الحالة الضبابية التي تسيطر على المشهد، يشير زاده إلى أن هناك بعض التفاؤل في الشارع الإيراني لدى بعض الجهات، نظراً إلى التقارب في النظرة مع ترامب في بعض الملفات، لا سيما الأحداث السورية والعراقية وضرورة القضاء على الجماعات الإرهابية، بالإضافة إلى الخلاف مع السعودية بشأن الفكر الوهابي، وبالتالي من الممكن التعاون في بعض الأمور.

لا إنتصار ولا هزيمة

وفي حين ذهب البعض من المتابعين إلى وصف فوز ترامب بالإنتصار الروسي في الإنتخابات الرئاسية الأميركية، يفضل فافيلوف عدم الذهاب بعيداً في هذه الأفكار، ويوضح أنها لا إنتصار ولا هزيمة لموسكو على الإطلاق، فهو شأن داخلي لا علاقة لروسيا به، لكنها في المقابل تريد التعاون مع واشنطن، ويؤكد أن هذا الموقف كان سيكون هو نفسه فيما لو فازت كلينتون.

ويشدد الأستاذ في جامعة موسكو الحكومية على أهمية العلاقات الأميركية الروسية الإيجابية في الحفاظ على الإستقرار الدولي، إلا أنه يلفت إلى أن هذا الأمر يتوقف أيضاً على المستشارين الذين يقدمون النصائح إلى الرئيس الأميركي الجديد، خصوصاً أن ترامب لا يملك تجربة سياسية واسعة، لكنه لا يتوقع تغييراً كبيراً بالنسبة إلى الشرق الأوسط، لا سيما أن هناك نفوذاً كبيراً للوبي اليهودي في الولايات المتحدة، في حين أثبتت الأحداث أن النظرة الروسية للأزمة السورية كانت سليمة، وبالتالي لا بد من إيجاد حل سياسي يحفظ حق الشعب في تقرير مصيره، بعيداً عن أي تدخلات خارجية.

بدوره، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي الإيراني أن الحديث عن إنتصار موسكو وطهران أمر مبالغ فيه ولا يمكن الركون عنده بأي شكل من الأشكال، خصوصاً أن خطاب الرئيس الأميركي بعد الوصول إلى البيت الأبيض قد يكون مختلفاً عما كان عليه خلال الحملة الإنتخابية.

بالنسبة إلى زاده، سياسة ترامب إزاء قضايا الشرق الأوسط المتعددة لا تزال ضبابية، وبالتالي يجب الإنتظار لحين تسلمه زمام السلطة، لمعرفة المسار الذي ستسلكه الأمور، ومن ثم الحكم عليه بشكل دقيق وسليم.

في المحصلة، لا تبدي موسكو وطهران حماسة مفرطة لفوز ترامب، بالرغم من مواقفه الإيجابية بالنسبة إلى العلاقة مع روسيا بشكل خاص، بالإضافة إلى رغبته في محاربة الجماعات الإرهابية، وتنتظر تسلمه السلطة للحكم على ما قد يقوم به فعلياً لا إنشائياً.