بكثير من الهدوء، وبجرعة زائدة من التفاؤل، يقرأ أحد أبرز الشخصيات السياسية التي واكبت الرئيسين الراحل حافظ الأسد، وبشار الأسد، المشهد السوري متكئاً بنحو أساسي على «الإنجازات الميدانية العسكرية التي يحققها الجيش العربي السوري بغطاء جوي للأصدقاء الروس وبمَدّ بالحديد والنار والدماء من الحليف والشريك «حزب الله» على الأرض، خصوصاً في حلب قبلة القتال والرصيد المضاف الى دفتر الإنجازات قريباً جداً»، على حدّ قول هذه الشخصية القيادية الرفيعة.نظرة تفاؤلية مماثلة مُثقلة بالثقة يعبّر عنها قياديّ رفيع في حزب الله، خلال دردشة بعيدة من عدسات الكاميرا، مستعرضاً المرحلة بكل ما فيها من إنجازات متراكمة بفضل حسن الإدارة بين الحلفاء من جهة، وتضعضع محور الخصوم وإنهاكه في حروب شتى عسكرية واقتصادية، وسط لعبة «عضّ أصابع» بات الخصم فيها على وشك الإنسحاب والتسليم بالهزيمة، ولو كانت مموّهة بتسوية على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب»، إلّا انها ضمناً تحمل غالباً ما لا يحتاج الى كثير من التدقيق لتظهير معالمه، وهو «الممانعة».

واذا كان الميدان العسكري عامل الثقة الاساس لدى القيادي في المقاومة والمسؤول البارز في القيادة السورية، فللتطورات السياسية الإقليمية ومعها الدولية، خصوصاً الإنتخابات الأميركية حصّة في ارتفاع معدل الثقة باقتراب العدّ العكسي للمرحلة الصعبة في تاريخ سوريا المعاصر التي تشهد واحدة من أعنف الحروب وأقساها.

وعلى عكس الصدمة التي أصابت معظم قادة العالم الغربي ومعه العربي، مضافاً اليه مراكز الأبحاث واستطلاعات الرأي الأميركية، تقرأ الدوائر القريبة من محور «الممانعة» فوز الرئيس الاميركي دونالد ترامب بالأمر المتوقع، بل والمنتظر، مستندةً الى القراءة المتأنية للمرشد الاعلى للجمهورية الإسلامية في ايران السيد علي خامنئي الذي توقّع، وعبر وسائل الإعلام، وصول «الرئيس الاصفر» الى «البيت الابيض»، قائلاً: «انه الفائز، كونه الأقرب الى الشخصية العامة الأميركية، وهو انعكاس حقيقي لصورة الشعب الأميركي وسرّ الناس». قراءة ايرانية سبقت النتائج بغضّ النظر عن الرغبة او عدمها بهذا الفوز، فالسباق في الأساس في بيت الخصم الواحد.

في المقابل، يبدو الارتياح الى ما آلت اليه نتائج الانتخابات، جَليّاً وبقوّة عند الجانب الروسي الذي لم يُخفِ، سواء قبل الإنتخابات الاميركية او بعدها، رغبته بوصول المرشح الجمهوري دونالد ترامب الذي يتهمه خصومه الديموقراطيون، وعلى رأسهم منافسته هيلاري كلينتون، بأنه «مسحور» بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

رغبة روسية عبّر عنها بوتين في حواره المفتوح أثناء المنتدى الاقتصادي الدولي في سان بطرسبرغ، غامزاً من باب التجربة السيئة السابقة لكلينتون في الخارجية.

غزل سياسي لم يتوقف مع نهاية عملية فرز الأصوات الاميركية، بل امتدّ الى ما بعدها حين وصف ترامب برقية تهنئة بوتين له بـ«الجميلة جداً».

وبالعودة الى سوريا، لبّ المحور وشغله الشاغل كما العالم، وعلى رغم اتهام خصوم الرئيس السوري ترامب بمهادنة الأسد، لمصلحة «القضاء» على تنظيم «داعش»، وتجنّب مواجهة روسيا في سوريا، وقَول سيد «البيت الأبيض» الجديد: «كان لديّ دوماً رأي مغاير عن كثيرين، في شأن سوريا».

فإنّ اقتراح «التركيز بمقدار أكبر على محاربة «داعش» في سوريا، بدلاً من وضع أولوية لإزاحة الرئيس السوري بشار الأسد من الحكم»، بَدا هو الموقف الفصل.

إلّا انّ في سوريا من لا يتكئ على «الكلام المعسول» لـ»الرئيس الأصفر» في انتظار الأفعال، فضلاً عن الخطة الواضحة المتفق عليها مع الحلفاء والتي تقضي بهزيمة المجموعات المسلحة في الميدان ومن بعدها ضخّ الدماء في شرايين الديبلوماسية التي عليها انتظار التركيبة الجديدة في الادارة الاميركية، خصوصاً في وزارة الخارجية، ومن سيختار ترامب من فريق عمل للشرق الاوسط والمنطقة.

وعليه، تتقاطع مواقف أركان «الممانعة» على سوء المرشحة الراسبة هيلاري كلينتون والتي شخّصت الازمة السورية بـ«المعضلة الشريرة» التي لا حلّ لها، وبالتالي استراتيجية الإستنزاف. الا انهم لا يهللون لوصول ترامب في انتظار خط سير التغيير الذي وعد بانتهاجه وسط التخوف من تعثّره بحواجز اهل العسكر والامن الذين انغمسوا في المستنقع السوري مباشرة.

امّا مبعث تفاؤل الفريق الممانع فمردّه الى إنجازات الميدان والثقة المطلقة بالحليف الروسي الذي يأمل كثيراً من الخير من عهد ترامب.