فاجأ فوز دونالد ترامب رئيساً لأميركا الكثير من المراقبين، وجاء مخالفاً لكثير من الإحصاءات التي كانت تؤشّر إلى فوز هيلاري كلينتون للرئاسة، فما هي الأسباب التي رفعت من أسهم ترامب، وتحديداً في بعض الولايات التي كانت محسوبة على "الحزب الديمقراطي"، رغم الدعم الكبير للوبي الصهيوني لهيلاري كلينتون؟

بداية، يبدو أن خطاب ترامب كان أكثر ملامسة لاهتمامات الشعب الأميركي من كلينتون، سواء في القضايا الداخلية التي تمسّ وضعه المعيشي، أو السياسة الخارجية التي لها تاثيرت سلبية على الوضع الداخلي من الناحيتين الاقتصادية والأمنية.

لقد أطلق ترامب العديد من الشعارات الانتخابية التي تتناول سياسته الداخلية والخارجية، من دون أن يكون لديه برنامج متكامل، بل مجموعة من الآراء التي جاء بعضها على خلفية الانتقادات التي وجّهها إلى الرئيس باراك أوباما والمرشحة هلاري كلينتون، ومن هذه الشعارات:

1- وصفه سياسة باراك أوباما في سورية بالمجنونة والغبية، وتحميله مسؤولية السياسات التي أدّت إلى الفراغ في المنطقة.

2- مواقفه المعادية للمسلمين، ومهاجمته الدول العربية، خصوصاً المملكة العربية السعودية، وتأييده قانون "جاستا" (الذي عارضه أوباما) الذي يتيح لأسر ضحايا أحداث 11 سبتمبر مقاضاة السعودية.

3- إعطاؤه الأولية لمحاربة الإرهاب، وتقديمه على محاربة الرئيس السوري بشار الأسد، واتهامه لأوباما وكلينتون بأنهما مَن أسّس "داعش"، وقد أشارت هيلاري كلينتون إلى ذلك في كتابها "خيارات صعبة".

4- ربطه حل القضية الفلسطينية إلى حد كبير بالعدو "الإسرائيلي"، وبما إذا كانت تريد التوصّل إلى اتفاق أم لا.

5- وعده بترحيل عدد كبير من المهاجرين غير الشرعيين، وهم أكثر من 11 مليون مهاجر، والذين حاول أوباما تشريع وضعهم بقوله إن "ترحيل عدد كبير (من المهاجرين) سيكون في الوقت نفسه مستحيلاً ومنافياً لطبيعتنا".

6- عدم التدخُّل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

7- دعمه للزواج التقليدي، ورفضه للزواج المثلي الذي يؤيده أوباما.

8- على الصعيد الاقتصادي:

أ‌- خفضه ضرائب الشركات لتحفيز التوظيف من 35% إلى 15%.

ب‌- إعادة النظر بكل المعاهدات والاتفاقات التجارية الدولية، بما فيها اتفاق "نافتا"، الذي ساهم في فقدان عدد من الوظائف الأميركية والاتفاقات الثنائية، وعلى رأسها الصين.

ت‌- اقتراح فرض رسوم جمركية بنسبة 35% على المنتجات المكسيكية التي تدخل الولايات المتحدة، وبنسبة 45% على المنتجات الصينية.

9- أما في ما خصّ الحروب، فإن "الحزب الجمهوري" اعتمد على سياسة "حرب السلام عن طريق القوة"، فخاض حرب أفغانستان في العام 2001، وحرب العراق في العام 2003، أما "الحزب الديمقراطي" (أوباما) فقد اعتمد سياسة الحزم والقوة، وبتعبير آخر "الحرب الناعمة"، فعمل على سحب جنوده من أفغانستان والعراق، واستعاض عنها بحروب "الربيع العربي" في ليبيا وسورية ومصر واليمن.. بقتال الآخرين، واكتفى بإرسال "الخبراء"، وأنشأ "التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب" ومواجهة الأزمات في منطقة الشرق الأوسط.

ومع ذلك، فإن كلا الحزبين لن يختلفا في الاستراتيجيات التي بُنيت على قاعدة مصالح الأمن القومي الأميركي وأمن "إسرائيل"، والسيطرة على الثروات النفطية عموماً، وبنحو خاص في دول الخليج، لاسيما أن هذه السياسيات التي يتبعها الرؤساء لا بد أن تمرّ في دوائرمتعددة من مراكز الدراسات والأبحاث، إلى المراكزالاستراتيجية المتخصصة، والبنتاغون وأجهزة الاستخبارات الأميركية اللذين لهما التأثير الكبير في اتخاذ القرارات، وللتاريخ نقول إن قرار بوش بالحرب ضد العراق كانت ذريعته معلومات الـ"سي أي اي" الكاذبة عن امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، لكنهما قد يختلفان في الأداء في السياسة الخارجية في موضوع التقارب مع الروس، وفي دعوة ترامب إلغاء الاتفاق النووي، وفي عدم التمييز بين حركة "الإخوان المسلمين" و"داعش"، لكنهما قطعاً لن يتهاونا في حماية أمن "إسرائيل".

هذه الشعارات الانتخابية قد يسقط الكثير منها بعد الفوز، فلننتظر ونرى كيف سيتعاطى الرئيس ترامب معها، ومع الازمات في المنطقة، ومدى جديته في محاربة الإرهاب التكفيري.