يأتي العيد الثالث والسبعون للاستقلال ونحن ما نزال أمام أسئلة كبيرة:

كيف نحمي هذا الاستقلال ونصونه؟ وكيف نحصّن وطننا ونحميه أمام التحديات التي تهبّ علينا باستمرار؟

لقد قدّم الآباء تضحيات جسام من أجل انتزاع استقلالنا الوطني، لكن المهمة الأصعب بقيت في كيفية حماية هذا الاستقلال، وتطوير بلدنا، وتمتين وحدتنا الوطنية، وتطوير نظامنا السياسي الذي أثبتت التجارب أنه مولّد دائم للأزمات، والفتن والمشاكل، بحيث نكاد أن نكون كل عشر سنوات أمام أزمة كبرى نذكّر بها في هذه المناسبة على قاعدة "وذكّر إن نفعت الذكرى".

وأبرز هذه الأزمات كانت في سنوات:

1952، 1958، 1975، 1990، 2005، صحيح أن هذه الأزمات كانت في وجه من وجوهها انعكاساً للواقع الإقليمي والدولي المحتدم جراء المطامع الاستعمارية وتشكيل أحلاف تريد ربط المنطقة بعجلة المشاريع والهيمنة الغربية والأميركية الاستعمارية: كحلف الدفاع المشترك، وحلف بغداد وحلف السنتو، ومشروع ايزنهاور، والنقطة الرابعة، والحلف الإسلامي، وغيرها التي تُوِّجت منذ 2001 بإطلاق ما يسمى "الشرق الأوسط الجديد"، الذي سبق له أن وضعه الثعلب الصهيوني شيمون بيريز عام 1993، و"الفوضى الخلاقة" وهلّم جرا، وكلها مشاريع ذاقت منها المنطقة، خصوصاً العرب، الويلات، وكان لبنان دائماً في مواجهة الريح بسبب نظامه السياسي القابل لكل أشكال الفوضى.

عيد الاستقلال يذكّرنا ويحفّزنا لأن نحصّن وطننا؛ بتطوير وتحديث نظامه السياسي الذي يكفل العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، والمساواة الحقيقية بين اللبنانيين في الحقوق والواجبات، وتطوير الإدارة، وتعزيز التعليم الرسمي، وتوفير ضمان الشيخوخة، وتوفير ما يستلزم لتأمين حياة المواطنين اليومية بكرامة.

إن لبنان في عيد استقلاله، بعد أن خلع عنه ذاك الشعار المقيت "قوة لبنان في ضعفه"، استطاع أن يحقق ما عجز عنه العرب في كل صراعهم مع العدو "الإسرائيلي"، بالحاق الضربات النوعية بهذا العدو، والذي تُرجم انتصاراً عظيماً في أيار عام 2000، وبالانتصار النوعي في حرب تموز 2006.. حتى صارت "قوة لبنان في قوته"، والمتمثلة في الثالوث الماسي "الشعب والجيش والمقاومة"، فحريّ بمواطنيه أن ينعموا بنظام يجعلهم يطمئنون إلى حاضرهم وغدهم ومستقبلهم، ويؤمّن لهم وحدة مجتمعية متماسكة، وذلك لن يتوافر إلا عبر قانون انتخابات عصري، يقوم على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس النسبية، لأنه بمثل هذا القانون يتحوّل الخطاب السياسي إلى خطاب وطني، بعيداً عن الغوغائية الشعبوية والمذهبية والطائفية و"المصلحجية".

إن نصراً يلوح في الأفق في مواجهة المشروع الجهنمي الفوضى الخلاقة، فبعد أن استطعنا في لبنان بفضل المقاومة والجيش الوطني تضييق الخناق على هذه الفوضى، وجعلها خارج حدودنا الوطنية، ها هو النصر يتقدّم لمجمل حلف المقاومة والممانعة؛ من لبنان إلى سورية والعراق، وما النصر إلا صبر ساعة، مما يفرض علينا أمام المرحلة الجديدة التي دخل فيها لبنان، الإصرار على مشروعنا، الذي به وحده نحمي ونطور وطننا.

وكل عام وشعبنا وجيشنا ومقاومتنا بخير