على الرغم من كل التأكيدات التي تطلقها القوى السياسية بأن قانون الستين الإنتخابي أصبح من الماضي، وبالتالي من الضروري إقرار آخر عصري يؤمن عدالة التمثيل، تجري على أساسه الإنتخابات النيابية المقبلة، عاد "الستين" ليطل برأسه من جديد، على واقع التجاذبات والخلافات حول تركيبة الحكومة الأولى في عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.

على هذا الصعيد، كانت كافية إشارة وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال نهاد المشنوق، الذي أكد أن الوزارة جاهزة لإجراء الانتخابات وفق قانون الستين، وأن الاتفاق على قانون جديد يحتاج أشهراً لترتيب الإدارة وتثقيف الناخبين، من أجل العودة إلى المعادلة التي باتت محسومة لدى بعض الأوساط السياسية إلى حد بعيد: "الجميع يعارض الستين في العلن لكنهم يريدونه في السرّ".

الرهان قائم

بالنسبة إلى الكاتب والمحلل السياسي ​طارق ابراهيم​، "الأمر الواقع يفرض نفسه راهنًا"، ويضيف: "حتى الآن لا يوجد قوانين إنتخابية أخرى لسحب الستين من التداول"، ويعتبر أن مجرد الحديث عنه، لا سيما من قبل وزير الداخلية والبلديات، يعني بأنه ما زال فاعلاً في شرايين البعض، لا سيما من يعارض إستكمال تطبيق إتفاق الطائف، وبالتالي إعتماد النسبية على أساس الدوائر الكبرى أو في الدائرة الواحدة.

ويشدد إبراهيم، في حديث لـ"النشرة"، على أن المراهنين على "الستين" كثر، ويعتبر أنه إذا كانت هناك من تحديات في وجه العهد الجديد فإن الطامة الكبرى هي عندما لا يستطيع تشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة، بعيداً عن روحية الإلغاء وإحتكار السلطة، لأنه في هذه الحالة سيكون "الستين" هو القانون الأفعل، في حين أن الخيار الثاني هو إعادة تمديد ولاية المجلس النيابي الحالي.

من جانبها، ترى الكاتبة والمحللة السياسية ​سكارليت حداد​، في حديث لـ"النشرة"، أن إجراء الإنتخابات المقبلة على أساس "الستين" هو الإحتمال الأكبر، لا سيما بعد إعلان المشنوق أن الوزارة تحتاج إلى أشهر لإنجاز التحضيرات في حال إقرار أي قانون جديد، وتشير إلى أن من الواضح أن كلاً من تيار "المستقبل" و"الحزب التقدمي الإشتراكي" غير "مستعجلين"، نظراً إلى أن هذا القانون يناسبهم في حين هو لا يغيّر من الواقع على الساحة الشيعيّة.

بالنسبة إلى القوى المسيحيّة، تعتبر حداد أنهم من المتضررين ببقاء هذا القانون، كونه لا يسمح لهم باستعادة الحصص التي كانت تصب في صالح أفرقاء آخرين.

مسؤولية عون!

على هذا الصعيد، يعتبر الكثيرون أن رئيس الجمهورية سيكون المسؤول الأول عن هذا الواقع، في حال إجراء الإنتخابات على أساس قانون "الستين"، بالرغم من أن جميع القوى السياسية فشلت مجتمعة بالإتفاق على قانون جديد، مع العلم أن المناقشات في المجلس النيابي استمرت أشهراً طويلة.

في هذا الإطار، يؤكد إبراهيم أن أحداً لا يستطيع أن يتحكم بمجريات الأمور من الآن، لكنه يوضح أن الجميع يدرك بأن العودة إلى "الستين" ستكون بمثابة وأد لإنجازات العهد، ويدعو عون إلى التنبه لهذا الأمر جيداً، عبر إبعاد بعض المقربين منه عن ممارسة سياسات كيدية غير "محترفة"، لأنه سيقود إلى عرقلة إنطلاقة عهده.

بدورها، تشير حداد إلى أن واحدة من جوانب عرقلة تشكيل الحكومة قد تكون الإبقاء على "الستين"، وتوضح أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري يدرك ذلك جيداً، لكن على ما يبدو يريد أن يكشفهم أمام الرأي العام.

وفي حين تعتبر أن حصول الإنتخابات على أساس هذا القانون ستكون "نكبة" معنوية لرئيس الجمهورية، على إعتبار أنه كان دائماً يطالب باقرار قانون جديد، تشدد على أن العماد عون، الذي خلق حالة جديدة على الساحة المسيحيّة، ليس وحده من يتحمل المسؤولية، بل جميع الأفرقاء الفاعلين في البلد.

في المحصلة، "الستين" عاد إلى الحياة من جديد، بالرغم من إنكار جميع القوى السياسية رغبتها به، فهل من الممكن تجاوزه أم أنه أصبح أمراً واقعاً في حال الرغبة بإجراء الإنتخابات في موعدها؟