إنفجاران في أسبوع واحد وسط​القاهرة​ .الأول يستهدف نقطة تفتيش أمنية في الشارع المؤدّي إلى أهرام الجيزة؛ يسفر عن مقتل ستّة من رجال الشرطة وإصابة اثنين من المدنيين. الثاني يستهدف الكاتدرائية المرقسيّة في العّباسيّة بالقاهرة أثناء الاحتفال بالقدّاس الالهي، ويسفر عن مقتل خمسة وعشرين شخصاً وإصابة تسعة وأربعين آخرين.

ليس التوقيت اعتباطياً لهذه الأعمال الإرهابية. وليس الإستهداف فقط لـ"الأقباط والمسلمين" كما ذكر بيان الرئيس المصري ​عبد الفتاح السيسي​. هذا الرئيس الذي نجح ببسط الكثير من الإستقرار في الوضع الداخلي المصري على مختلف المستويات بعد التخبُّط الذي عاشته البلاد، و لا يزال. إنّه استهداف للسيسي ذاته. ليس لشخصه فحسب، الذي تتربّص به الخلايا الإرهابية النائمة في مصر، تلك الخلايا ذات التسميات العديدة التي لم تستفق بعد من صفعة الهزيمة في تحويل مصر إلى سلطنة أخوانية متأسلمة؛ بل للخطّ الذي يسلكه السيسي في المحاباة مع المحور الآخر. لم تستطع السعوديّة تغيير موقف السيسي. اشتدّت الأزمة بين البلدين. تقاربت بخجل العلاقة بين مصر وسوريا. علماً أن تلك العلاقة لم تنقطع حتى بعد سقوط الرئيس المصري السابق حسني مبارك، وذلك عبر التواصل مع المجلس العسكري الحاكم آنذاك، ومن ثمّ نشطت الإستخبارات المصرية كوسيط مقبول بين الأميركيين والنظام السوري، للتوصل إلى حلول وتسويات سياسية أو للتخفيف من حدّة التدخل العسكري الأميركي، الذي كان يعوّل عليه الإنقلابيون على النظام السوري بتسميته "الضربة الحاسمة" للإطاحة بالأسد. هذا ما أكّده رئيس الوزراء المنشق رياض حجاب في العام 2013. في 2016 تكشف مصر تباعاً عن زيارة كبار الضباط والمسؤولين السوريين لها ويستمرّ السيسي في تأييده للأسد. صوّتت مصر في مجلس الأمن على قرارين بشأن سوريا، نجح المشروع الروسي بعد "حق النقض" على المشروع الفرنسي. طبعا كانت تعلم مصر باستخدام روسيا لحقها بالفيتو. يحرص السيسي على نظامه ومصلحة بلده. في السياسة مصالح. لذا يدرك الرئيس المصري تماماً أن دعم روسيا له يُدِرّ عليه أماناً وجودياً واقتصادياً أكثر من الدعم الخليجي .

من غير المنطقي للسيسي مجاراة السياسة السعودية في كل من، العراق، ليبيا، سوريا واليمن، لِما لذلك من نتائج سلبية على دور مصر الاستراتيجي في المنطقة وعلى أمنها القومي لا سيّما في حال سيطرت "الفوضى الخلاقة" على سوريا والعراق .

في الواقع، على عكس الحال في غياب العلاقة الدبلوماسية بين ايران ومصر، وعلى عكس التصريحات الرسمية النافية لأيّ تقارب مع طهران، كما صرح بالأمس وزير الخارجية المصري خلال الجلسة العامة الثانية لحوار المنامة المنعقد بمملكة البحرين، فالرئيس المصري اليوم يقف على جسور هوائية غير عسكرية مع طهران. هذا هو واقع الحال. تركيا أيضاً تدفع به نحو ايران في ظل حكم حزب العدالة والتنمية الذي لن يناصره طبعاً السيسي. ففي المقلب الآخر، العلاقة السارية المفعول بين طهران وأنقرة تضبط الجبهة التركية-المصرية .

سياسة مصر هي الحفاظ على الأمن القومي العربي برؤية مصريّة، هذا ما صرح به السيسي، خلال الندوة التثقيفية التي نظمتها الشؤون المعنوية للقوات المسلحة في تشرين الأول من العام الجاري.

إن الضربات الإرهابيّة المتوالية على مصر تحاول وهي تخسر في سوريا والعراق واليمن أن تضرب هذا الأمن القومي العربي في قلب العاصمة المصريّة هذه المرة.

سياسة مصر اليوم تزعج الكثيرين. لن يغيّر السيسي موقفه من القضية السورية. ولكن، ماذا بعد سوريا؟ وما هي حدود الرؤيّة المصرية حيال العروبة والقومية؟ هل يدرك السيسي أن ولادة الأمن القومي العربي لن تكون إلّا في مهد فلسطين وطريق القيامة لن تمرّ إلا عبر لبنان؟ ما هو المشهد المصري حيال التهديدات الإسرائيلية؟

المقبل من الأيام كفيل بانقشاع الصورة، فهل يكتب التاريخ بماء الذهب قول السيسي: "هناك محاولات للضغط علينا، ومصر لن تركع إلا لله"؟ أم يضيع الذهب بين الرمال؟