حين غزا المسلحون الإرهابيون شرق حلب، بدعم مباشر من تركيا والسعودية وقطر، وتغطية كاملة من واشنطن، تشجّع أعداء دمشق على التوغّل في الحرب الكونية القذرة على الدولة الوطنية السورية، وصار الكبير والصغير من الأعداء يتحدثون ويفبركون عن قرب الانهيار، وهنا ربما يتذكر الجميع "حفاضات وحليب عقاب صقر"، و"العودة الميمونة" للرئيس ​سعد الحريري​ عبر مطار دمشق الدولي، واهتزازات الأمير القطري المعزول واستعداده لبذل مئة مليار دولار لإسقاط الأسد السوري، طبعاً دون أن ننسى بهلوانيات المرشحة الرئاسية الأميركية هيلاري كلينتون، التي قادت أكذوبة "مؤتمر أصدقاء سورية"، حيث حشدت نحو 85 دولة من الأتباع لمواجهة دمشق، فكان أن أصيبت بارتجاج دماغي، فتخلّت عن وزارة الخارجية، ومن ثم تحوّلت إلى ذمة التاريخ، بعد أن حطم دونالد ترامب أحلامها، بردّها الصاع صاعين لزوجها بيل نكاية بمونيكا.. ودون أن ننسى إصرار الأمير السعودي الراحل سعود الفيصل على الإعلان عن تسخير إمكانيات كل كازه ونفطه من أجل إسقاط الدولة السورية، وهلمّ جرا.

وهكذا، فإن التطورات الميدانية السورية، والصمود الأسطوري للجيش العربي السوري ودولته الوطنية ومعها حلفاؤها، كان يحمل دائماً جديداً على مستوى الإقليم؛ باهتزازات طالت أعداء دمشق، وقد يكون مفيداً هنا السؤال عن محمد مرسي، وخالد مشعل، وحمدَي قطر، وسعود الفيصل، ونيكولا ساركوزي، وخليفته هولاند الذي قرر في آذار أن يصير في عالم النسيان.. وغيرهم الكثير.

إذاً، فالتطورات الميدانية الحلبية وعودة العاصمة الثانية أو العاصمة الاقتصاية بكاملها إلى أحضان الدولة السورية، تُعتبران مفصلاً استراتيجياً هاماً وتاريخياً بارزاً في مجرى العمليات القتالية، لعدة أسباب أبرزها:

أولاً: أن المجموعات الإرهابية تلقّت ضربة قاصمة، وبعضها قد فني عن بكرة أبيه، كما حصل مع ما يسمى تنظيم "راية الإسلام"، حيث قُتل جميع أفراد هذا التنظيم الإرهابي مع قائده المدعو "أبو الجود عجم" على جبهة الكلاسة، بالإضافة إلى مصرع الآلاف من الإرهابيين، واستسلام آلاف المسلحين.

ثانياً: تحرير كامل شرق حلب أدى إلى توسيع نطاق سيطرة الدولة الوطنية السورية، وتواصل حلب مع محيطها، مما سيسهل بدء دورة اقتصادية واسعة، بسبب موقع حلب الاقتصادي والجغرافي والديمغرافي.

ثالثاً: إنجاز تحرير حلب سيوفر انتقال قوة قتالية كبرى وهامة إلى جبهات جديدة، للاستمرار في معارك تحرير كل ذرة تراب سورية خاضعة لقوى الإرهاب والتكفير.

رابعاً: إن هذا الانتصار النوعي للجيش العربي السوري وحلفائه خلال فترة وجيزة، رغم ما تخللها من محاولات أممية بواسطة الدمية الأميركية ستيفان دي ميستورا، ومحاولات روسية بالاتفاق مع الأميركي على هُدَن كانت في كل مرة تمنح الإرهابيين فرصة لالتقاط الأنفاس، مما أخّر الحسم النهائي، وبعد أن فضحت الأهداف الحقيقية للمناورات الأميركية، والذي تجلى واضحاً في مجلس الأمن، كان القرار الروسي بالحسم الذي حصل هذه المرة سريعاً، فثلاثة أسابيع فقط كانت كافية لتُنهي وجود الإرهابيين في الشهباء، مما يمثّل نقلة نوعية وأساسية في مسار الحرب على الدولة السورية وأهلها من جهة، وليعيد التوازن الاقتصادي إلى عجلة الدولة، مع تحرير أهمّ مدينة اقتصادية في الشرق الأوسط من براثن الإرهاب من جهة ثانية، خصوصاً أن حلب تُعتبر ذات ثقل اقتصادي لسورية، بالإضافة إلى أهميتها السياسية كورقة تفوق ميداني كبير في المفاوضات السياسية الدولية، وربما هذا ما يفسّر محاولات الأميركيين التي كانت تجري لبقاء الشهباء تحت رحمة التهديد الإرهابي، بالإضافة إلى محاولات السلجوقي رجب طيب أردوغان إدخال قوات تركية ودعم المجموعات الإرهابية بمختلف الوسائل.

ثمة حقيقة كبرى وخطيرة كشفت عنها معركة تحرير شرقي مدينة حلب، وهي أن الجيش السوري ضبط غرف عمليات إرهابية متطورة جداً، ومجهَّزة بأحدث الوسائل العسكرية، وهي صناعات أميركية وبريطانية وفرنسية وصهيونية، بالإضافة إلى غرف اتصالات تتضمن تجهيزات اتصال فضائية، ومعدات عسكرية لا تمتلكها جيوش في المنطقة، وقد عثر على عشرات مخازن الأسلحة التي تركها الإرهابيون دون أن يتمكّنوا من سحب أي قطعة منها أو تفجيرها، وهو ما سيسبب حرجاً كبيراً للغرب والأميركي أمام الروسي في المفاوضات التي سيقدم خلالها بالدليل الملموس والعملي الدعم المباشر الذي تقدّمه عواصم الغرب وواشنطن وبائعي الكاز للإرهاب، الذي أخذ يهدّد الكثير من العواصم، وأولها عواصم الغرب.