وأخيراً بعد مضي نحو ستة أعوام على إسقاط حكومته دستورياً، عاد الرئيس سعد الحريري إلى "السرايا الكبيرة"، بعدما انقضت مدةنفيه الاختياري، والتي ربطها بإسقاط الحكم في دمشق،فلم تُكتب له العودة من مطار دمشق، ولم يتمكّن من إيصال مرشح "ثورة الأرز" إلى قصر بعبدا، كما وعد، وهاهو يعود إلى القصر الحكومي بالتوافق مع الفريق الذي اتهمه "باغتيال والده، والمشاركة بقتل الأبرياء في سورية"، كذلك إجهاض عمل المحكمة الخاصة بلبنان، من خلال ترؤسه حكومة جامعة تضم رموزاً مقرَّبة من سورية وحزب الله، أُسندت لهم وزارات أساسية، كوزيري الدفاع يعقوب الصراف والعدل سليم الجريصاتي، اللذين كان لهما اعتراض قانوني ودستوري على شريعة وعمل هذه المحكمةوشهودها الزور.

بعد ولادة الحكومة الأولى للعهد الجديد، بدى واضحاً أن جُلّ ما كان يسعى إليه رئيس الحكومة هو العودة إلى السلطة، بعدما سقطت رهانته الإقليمية على هزيمة محور المقاومة، وسقط معها استئثار "الحريرية" بالحكم،والتي دامت منذ العام 2005 لغاية استعادة القوات السورية مدينة حلب، متجاوزاً كل العهود والشروط التي وضعها سابقاً.

لاريب أن للتطورات في المنطقة، وبداية انكفاء المشروع الأميركي - السعودي فيها، انعكاساً مباشراً على الوضع الحكومي في لبنان، بدليل تبنّي زعيم "التيار الأزرق" ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة الأولى، ثم السير بالحكومة الجامعة الراهنة، بمباركة رعاة المشروع المذكور،الأمر الذي يؤكد أنهم عاجزون عن فرض أي أمر واقع جديد في البلد، أو التمسك بنهج الاستئثار السابق، خصوصاً بعد الإنجازات الميدانية التي يحققها محور المقاومة في الجارة الأقرب.

بالإضافة إلى هذا الانكفاء، يشهد"تيار المستقبل" انقسامات وتصدّعات في صفوفه، كذلك يعاني من أزمة مالية، ودعاوى قضائية جراء هذه الأزمة، وأبرز تلك الانقسامات ظاهرة اللواء أشرف ريفي، ولذا وزّر الحريري شخصيات شمالية(النائبين محمد كبارة ومعين المرعبي)، لمواجهة وزير العدل السابق وتحجيم دوره، مقصياً تمثيل مدينة صيدا عن حكومته.

لكن يبقى السؤال: هل يُكتب لهذه المحاولة الحريرية النجاح، خصوصاً في ضوء التقارب بين الرئيس نجيب ميقاتي و"اللواء" في المواقف من الممارسات الحريرية؟ وبدا ذلك من خلال السجال بين رئيسي الحكومة الراهن والسابق على موقع "تويتر"، عندما توجه الثاني إلى الأول بالسؤال:هل مايزال الحريري متمسكاً بالعناوين السياسية التي شن حروباًلأجلها، وفي مقدمها المحكمة الدولية الخاصة بقضية الشهيد رفيق؟ فردّ الأول: نعم يا دولة الرئيس، وأنت أكثر مَن يعرف ذلك، علماً اننا لم نشن أي حروب، بل نحن من تعرّضنا للحروب والاغتيال والغدر.. فهل يؤدي التقارب المذكور بين الزعيمين الطرابلسيين والتباعد المشترك مع الحريري إلى عقد تحالفا نتخابي في وجه "المستقبل"؟