فجأة وبسحر ساحر، علّقت إتحادات النقل البري إعتصامها بعد ثلاثة وستين يوماً وفتحت مراكز المعاينة الميكانيكية في الحدت وكل المناطق، معلنة من القصر الجمهوري أن الملف أصبح بيد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، علماً أن هذه الإتحادات سبق لها أن صعّدت خطابها في تحركها الأخير امام وزارة الداخلية والبلديات، واعدة بأن خطوتها التالية ستكون بإقفال مراكز هيئة إدارة السير ومصلحة تسجيل السيارات، كل ذلك قبل أن تتراجع عن كل هذا التصعيد.

في العلن أوحت إتحادات النقل البري بأن المبادرة جاءت من رئيس الجمهورية، وأن الأخير طلب منها تعليق الإضراب، لذلك كانت المفاوضات معه عبر اللواء ​عباس ابراهيم​ ووزيري الماليّة ​علي حسن خليل​ والخارجيّة ​جبران باسيل​، والتي تعهد الرئيس بنتيجتها بإعادة طرح مناقصة المعاينة الميكانيكية على طاولة مجلس الوزراء في أول جلسة بعد نيل الحكومة الثقة، وبتجميد العمل بمناقصة دفاتر السيارات ورخص السوق واللوحات واللواصق الذكية.

أما في الكواليس، فتكشف المصادر المتابعة أن المبادرة لم تأتِ إلا من إتحادات النقل البري، التي لم تعد قادرة على تحمّل الإستمرار بإقفال مراكز المعاينة الميكانيكية لأن الخسائر بدأت تفعل فعلها بأصحاب الشاحنات والصهاريج. وفي المعلومات أيضاً كانت إتحادات النقل البري بأمسّ الحاجة الى مخرج يسحبها من الشارع ويعلّق إعتصامها، خصوصاً بعدما رفعت سقف مطالبها عالياً ولم تعد قادرة على التراجع، لذلك أرادت أن يكون المخرج عبر تبنّي رئيس الجمهورية هذا الملف، وعلى هذا الأساس بدأت المفاوضات.

رئيس الجمهورية تلقّف هذه المبادرة وأخذ الموضوع على عاتقه، كل ذلك وهو على يقين بأن قرار تنفيذ مطالب إتحادات النقل البري ليس بيده شخصياً بل يعود الى مجلس الوزراء مجتمعاً، خصوصاً أن الدولة اللبننانية وفي حال قرّرت إلغاء أي مناقصة من المناقصات التي يعترض عليها السائقون العموميون، عليها أن تأخذ بعين الإعتبار التبعات المالية والمسؤوليات التي يمكن أن تترتب على خزينتها، كيف لا وهي التي وقّعت بكامل إرادتها على العقود المبرمة مع الشركات، أكان في مناقصة دفاتر السيارات ورخص السوق واللوحات واللواصق الذكية التي بدأ تنفيذها من أشهر والتي بدأ المواطنون بموجبها منذ أيلول الفائت، إستلام دفاترهم ورخصهم الجديدة، أو بالنسبة الى مناقصة المعاينة الميكانيكية التي وقعت عقودها منذ أشهر ودفعت الشركة الفائزة كفالة حسن تنفيذها التي تخطت الأربعة ملايين دولار، قبل أن تأتي توصية مجلس شورى الدولة لتوقف تنفيذها لأسباب عدة. هذه التبعات المالية والأموال التي يمكن أن تدفعها الدولة اللبنانية بمثابة عطل وضرر للشركات الفائزة، تسري أيضاً على أي تعديل قد يطرأ من قبلها على أي من المناقصات، لذلك الموضوع في غاية الدقة، والقرار فيه لمجلس الوزراء مجتمعاً لا لرئيس الجمهورية الذي تعاطى بإيجابية مع مبادرة النقل البري وفتح مراكز المعاينة أمام المواطنين، لكنه لا يريد أن يتحمّل بمفرده مسؤولية مناقصات أبرمت قبل إنتخابه، وفي زمن حكومة لم تكن رقابته عليها موجودة كما هي اليوم مع حكومة سعد الحريري.