يرى البعض أن تزامن سيطرة النظام السوري والحلفاء على مدينة​حلب​ في الشمال السوري مع تدهور الوضع الأمني في ​مخيم عين الحلوة​ للاجئين الفلسطينيين جنوب لبنان محض صدفة. والأرجح أنّه كذلك. الا أن المخاوف من انتقال عدد من مئات المتشددين الّذين أجبروا على مغادرة المدينة الى المخيم الفلسطيني في لبنان والذي تحوّل الى بؤرة أمنية ارتأت السلطات أخيرا بناء جدار لحماية جوارها، تبقى مشروعة خاصة وان العدد الاكبر من المطلوبين بجرائم ارهاب هم فعليا داخل "عين الحلوة"، عدا عن ان قسما لا بأس به من أبناء المخيم ذهب للقتال في سوريا وبعضهم الآخر زار الرقّة، معقل "داعش" وتلقى تدريبات هناك لتنفيذ أجندة التنظيم المتطرف على الاراضي اللبنانية.

وقد أظهرت التطورات الأخيرة التي شهدها المخيّم على خلفيّة اغتيال عنصرين من جماعة "عصبة الأنصار" الاسلاميّة ان النار المشتعلة تحت الرماد لن تتأخر بإحراق ما حولها، في حال توافرت الظروف المناسبة في وقت من الأوقات، والأهم أن القوى الفلسطينيّة وبخاصة اللجنة الأمنية المشتركة لا تملك القدرات اللازمة لاطفاء الحريق متى اشتعل نظرا الى ما يبدو أنّه تمدد للجماعات المتطرفة وتوسّع لنفوذها.

واذا كانت مصادر قياديّة فلسطينية تؤكد انّه تمّ استيعاب الأحداث الأخيرة التي شهدها "عين الحلوة"، وانّه سيتم التأكد من عدم تجدد الاشتباكات من خلال تحديد المسؤولين عن عملية الاغتيال ومعاقبتهم، الا انّها لا تخفي مخاوفها من أن يكون هناك حقيقة ما يُدبّر للمخيم، لافتة الى ان القوى الفلسطينية اتخذت منذ فترة اجراءات مشدّدة تمنع وصول المزيد من المتشددين الى داخل "عين الحلوة"، وهي تتمسك بهذه الاجراءات، لا بل ستفعّلها أكثر بعد انتهاء معركة حلب وخروج الآلاف من المسلحين منها. وتشدد المصادر، على وجود قرار واضح لدى كل الفصائل دون استثناء، حتى لدى تلك المتطرفة بعدم تحويل "عين الحلوة" الى "نهر بارد" جديد حرصا على أرواح وأرزاق أكثر من 100 ألف لاجىء يعيشون فيه.

ويبدو ان الاجراءات الفلسطينية المتّخذة تتقاطع مع اجراءات لبنانية مشدّدة للحؤول دون انتقال أي ارهابي من حلب الى لبنان وبالتحديد مخيم عين الحلوة. وفي هذا السياق، تربط مصادر أمنيّة لبنانية بين تدهور الوضع في "عين الحلوة" أخيرا وبين الاستحقاقات الداخلية الفلسطينية، مستبعدة تماما ان يكون هناك خلفيات أكبر للموضوع. ولا تتردد المصادر بالاعراب عن اطمئنانها "لعدم قدرة اي من العناصر المتطرّفة على الولوج الى لبنان أولا، باعتبار أن تسوية حلب حدّدت لهم وجهتهم وهي عكس الوجهة الى لبنان، وثانيا لكون معركتهم القادمة في ادلب وريف حلب وليس على الاراضي اللبنانية، وبالتالي لا مصلحة لأي منهم بمغادرة ميدان المعركة قبل انطلاقها". وتشير المصادر الأمنية الى انّه واذا كان هناك من يفكر عكس ذلك، فان مخطّطه سيصطدم بالتشدد الحدودي بحيث حدودنا اليوم لا تشبه بشيء ما كانت عليه قبل 3 سنوات، مؤكدة أنّه تم ضبطها تماما وأنّ الموضوع أصبح وراءنا.

واذا كان الارتياح الأمني هو الغالب حاليا، من منطلق أن الأمن اللبناني سياسي بامتياز، الا ان عددا من المراقبين يصرّ على وجوب تولّي الحيطة والحذر في فترة الأعياد من منطلق ان للقوى المتطرفة أجندات خاصة بها مختلفة عن تلك التي تنفذها لبعض أجهزة المخابرات الأجنبية. ولعل المشاهد الدموية التي سبقت عطلة العيد في أوروبا، والعمليات الارهابيّة التي اتخذت أشكالا متعددة، توجب عدم الاطمئنان تماما للمظلة الدوليّة التي لطالما تغنّينا بها، والانصراف لتأمين مظلة داخليّة متينة تقطع الطريق على أيّ مخطط يهدف لزعزعة الاستقرار اللبناني الحالي غير المسبوق منذ سنوات.