تنشط حركة بعيدة عن الأضواء بين القوى المعنية: التيار الوطني الحر مع حزب القوات من جهة، ورئيس المجلس النيابي نبيه بري مع حزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي من جهة أخرى. يهدف هذا النشاط إلى تقريب وجهات النظر حول قانون الانتخاب.

من حيث الشكل يخيّم على هذه الاتصالات الطابع الانتخابي، حيث تبدو القوى جميعها على استعداد للتفاهم. وحده رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط يتعاطى بتوتر ظاهر. إذ يقلقه تفاهم الكبار في أن يكون على حساب موقعه بموقع تحيط به التعقيدات، لا سيما في ظلّ صعود الدور "المسيحي" نتيجة إعلان النيات إذ إنّ تفاهم معراب يحوّل "المسيحيين" إلى قوة وازنة في الشوف. من ناحية أخرى يُقلق جنبلاط تأثير القوة "الشيعية" الموجودة في بعبدا، في حال جعل بعبدا دائرة واحدة مع عاليه والشوف. هذا الشوف الذي يحلو لمسؤولي "الاشتراكي" تسميته "المدى الحيوي الدرزي".

لهذه الأسباب يتمسك جنبلاط بثابتتين: الأولى تقول برفض النسبية الكاملة التي يفترض أنها تقلص قدرته على التحكم بالمقاعد النيابية في الشوف وعاليه. أما الثانية فتؤكد تمسكه بجعل الشوف وعاليه دائرة واحدة معزولة عن بعبدا وباقي المتن.

تيار المستقبل من ناحيته، يرفع فيتو الاعتراض في وجه النسبية الكاملة أو يُبدي من ناحية أخرى استعداداً للتوافق على المختلط ما يجمع بين اقتراح الرئيس بري والصيغة الثلاثية المقدمة من الاشتراكي - المستقبل – القوات، وهو ما يبدو عملية شاقة محفوفة بكثير من التعقيدات والإشكالات وغير ذلك تُطرح من هنا وهناك.

أفكار أخرى بديلة مطروحة على طاولة النقاش مثل فكرة التأهيل على دورتين، الأولى على مستوى القضاء، وفق النظام الأكثري، بحيث تنتخب كلّ طائفة مرشحيها، على أن يجري في الدورة الثانية التصويت وفق النسبية على مستوى المحافظة. أو ما أشار إليه رئيس التيار البرتقالي وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل بعد اجتماع تكتل التغيير والإصلاح الأسبوع الماضي، عندما تحدّث عن أصوات متعدّدة للناخب الواحد.

إلى جانب كلّ ذلك يتداول المسيحيون ببعض الأفكار الجانبية من قبيل تخفيض عدد النواب من 128 نائباً إلى 108 نواب، أيّ العودة إلى الصيغة الأصلية للطائف، أو نقل بعض المقاعد المسيحية مثل مقعد الأقليات من دائرة بيروت الثالثة (ميناء الحصن – عين المريسة – المزرعة – المصيطبة – رأس بيروت – زقاق البلاط) إلى دائرة بيروت الأولى (الأشرفية – الرميل – الصيفي) أو إلى المتن. نقل المقعد الماروني في طرابلس إلى البترون. نقل المقعد الماروني في بعلبك – الهرمل إلى بشري، بحسب ما تطمح "القوات اللبنانية"، علماً أنّ الكتلة المارونية الناخبة في بعلبك - الهرمل لا تقلّ عن 21000 ناخب، ما يعني أكثر من حجم مقعد نيابي، كما أنّ الكتلة الكاثوليكية الناخبة لا تقلّ عن 16000 ناخب وهي نسبة تغطي أيضاً حجم المقعد النيابي.

وفي حين لا يبدو منطقياً أو مبرّراً نقل أيّ مقعد مسيحي من بعلبك – الهرمل، إلا أنّ هذا الأمر يجد مبرّراته في المقعدين المتبقيين في بيروت الثالثة وطرابلس، كما يقول مصدر معني بملف الانتخابات لـ "البناء"، لكن ذلك يصطدم بحسابات مستقبلية عالية ترفض هذا الطرح بالكامل.

يبقى حزب الله، يتمسك بالنسبية الكاملة ويعتبرها الخلاص والطريق الملزم لبناء الدولة . أما الرابية ومعراب، فمنطلقهما التفكير في قدرة المسيحيين على اختيار نوابهم. يحكم العونيون والقواتيون على أيّ قانون من هذه الزاوية.

أمام هذه الخريطة المعقدة بتعارضاتها واختلافاتها، كيف يمكن بناء أرضية مشتركة يقف عليها الجميع ويشعرون بالرضى تجاهها؟

عدم الاختلاف يعني حكماً العودة إلى القانون الرَجيم (قانون الستين) الذي لا يزال لغاية اللحظة أقوى الاحتمالات الممكنة.