حتى أشهر قليلة فقط، كان ​عبد المنعم يوسف​ يمثل أحد خطوط الطائفة السنيّة الحمراء التي لا يجوز تجاوزها بأي شكل من الأشكال، بالرغم من المخالفات الكبيرة التي رافقت مسيرته المهنية في إدارات الدولة، لكن مع إنطلاقة مسيرة حكومة ​سعد الحريري​ الثانية والأولى في عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، كانت إقالة المدير العام لهيئة "أوجيرو" وتعيين رئيس مجلس إدارتها ومدير الاستثمار في وزارة الاتصالات حاضرة على طاولة مجلس الوزراء.

الكثير من الأسئلة تطرح حول مصير الرجل الذي كان قادراً على تحدّي الوزراء المسؤولين عنه علناً، لا سيما بالنسبة إلى تخلي تيار "المستقبل" عنه، بعد أن كان يُجنّد كل طاقاته للدفاع عن يوسف في كل مناسبة، بالرغم من أن مجرّد وجوده في 3 مراكز، في الوقت عينه، مخالفة من العيار الثقيل، لكن بحسب ما بات يُعرف في بعض الأوسط السياسية، يوسف تحول إلى عبء كبير على التيّار لم يعد من الممكن تحمّله، نظراً إلى الإشتباكات التي فجرها مع العديد من الجهات الحليفة لـ"المستقبل"، بعد أن كان من أبرز خصوم وزراء الإتصالات المحسوبين على التيّار "الوطني الحرّ" على مدى سنوات، مع جبران باسيل ونقولا صحناوي وشربل نحاس.

وتعتبر مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، أن الإتّهامات التي وجّهت له في ملفّ الإنترنت غير الشرعي، لا سيما بعد طلب المدعي العام القاضي علي إبراهيم الإذن من وزير الاتصالات السابق بطرس حرب بملاحقته بتهمة هدر المال العام، كانت مفصليّة على هذا الصعيد، وتذكر بأن بداية الحديث عن تخلي "المستقبل" عن يوسف كانت خلال جلسة لجنة الإتصالات والإعلام النيابيّة، في 19 نيسان 2016، حيث وجد نفسه وحيداً أمام مجموعة واسعة من الإتّهامات، إنتهت بالمطالبة بطرده من الجلسة وسط صمت مطبق من جانب نوّاب "المستقبل" المشاركين فيها.

بعد ذلك، عمد رئيس كتلة "المستقبل" النائب فؤاد السنيورة إلى الدفاع عن يوسف، من خلال البيان الصادر عن إجتماع الكتلة في اليوم نفسه، عبر الحديث عن "محاولة النيل من الشرفاء وإلصاق التهم الملفّقة بهم لأغراض لا تمتّ إلى محاربة الفساد، كمثل التطاول على رئيس هيئة أوجيرو عبد المنعم يوسف الذي حصل على أكثر من 120 براءة قضائية"، لكن في المقابل خرج إلى العلن الحديث عن أن الحريري يريد التخلص من يوسف، الذي يعتبر من رجالات السنيورة في الإدارات العامة، نتيجة عرقلته صفقات تخصّ مقربين منه، أبرزها شبكة الألياف الضوئيّة التابعة لكاميرات المراقبة في بيروت.

منذ ذلك الوقت، بدأ الحديث عن أن البديل لتولي منصب مدير عام "أوجيرو" سيكون المهندس عماد كريدية، أحد المقربين من رئيس الحكومة الحالي، لكن لم تكن التسوية مع "التيار الوطني الحر" قد أبرمت، ولا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون دخل إلى قصر بعبدا، حاملاً لواء مكافحة الفساد، ومخصّصاً وزارة دولة لهذا الغرض على رأسها الوزير نقولا تويني.

وفي حين تشدّد المصادر المطلعة على أن يوسف دفع ثمن رفع الغطاء الذي كان يحميه، بالتزامن مع الخلافات التي باتت معروفة بين السنيورة والحريري، تعرب عن أملها في أن تكون نهاية مخالفات الرجل خطوة على طريق محاربة الفساد في البلاد في بداية العهد الجديد، لكنها تسأل: "هل سينتظر اللبنانيون دائماً رفع الغطاء عن المرتكبين من قبل المسؤولين عنهم؟"، مع العلم أن بعض نواب "المستقبل" لم يخفوا إمتعاضهم من إستباق صحناوي الإعلان عن قرار تعيين كريدية خلفاً ليوسف، واضعين الأمر في إطار منطق التشفّي وتصفية الحسابات.

في المحصلة، سقطت ورقة يوسف على طاولة مجلس الوزراء، لكن القرار بكل التهم التي توجه له يبقى للقضاء صاحب السلطة في إصدار الأحكام المبرمة، فهل تكون بداية لمرحلة جديدة مع العهد الجديد؟