انعدمت ثقة سارة (اسم مستعار) البالغة من العمر 35 عاماً بكل من تعرفهم، فهي لا تؤمّن لأحد وتشك بكل من حولها وتتهمهم بكل ما يحدث من مصائب معها، ولكن انعدام ثقة سارة بالبعيد والقريب لا تتعلق بتجربة سيئة مرت بها في حياتها، بل هي مرض نفسي أصابها وجعلها تعيش حالة من "الارتياب" الدائم. هذا المرض هو "إضطراب الشخصيّة الإرتيابيّة".

إنّ الشّخص المصاب بإضطراب الشخصيّة الإرتيابيّة هو في حالة مستمرّة من إنعدام الثّقة بالآخرين، إذ أنّه يرى "الخبث" في نوايا النّاس من حوله. في بعض الاحيان، عند بعض الاشخاص، تصبح سمات هذه الشخصيّة متصلّبة وتستقّر بشكل دائم، ممّا قد يتسبّب ببعض المعاناة للمحيط وللشخّص نفسه طوال حياته، خصوصا اذا ما رافق هذه العوارض هذيان، وهنا نتحدّث عن هذيان العظمة الذي يصاب به ما بين 0،4 بالمئة و 3،3 بالمئة من النّاس.

العوارض

يمكننا اعتبار "إضطراب الشخصيّة الإرتيابيّة" شكلا مبسّطا من أشكال هذيان العظمة، ومن عوارضه، أن يكون الشّخص عقلاني وغير عاطفي بشكل "فاقع"، يخفي مشاعره خوفا من أن تستخدم ضدّه، انعدام النّقد الذّاتي لديه، يملك التفكير المنطقي فقط لا غير، عدم تقبّل ايّ حجّة خارجيّة إيجابيّة او سلبيّة، تضخّم للذات، والمبالغة في تقديرها وغالباً ما يعبّر عن سلوك إستبدادي، عدم الثّقة بالذين يعتبرهم اقوى منه، إحتقار الذين يعتبرهم ضعفاء، يأخذ كافة الاجراءات للوقاية من أن يخدعه الآخر، يفرض رأيه على الآخر، يعيش في شكوك غير مبّررة حول ولاء وإخلاص الاصدقاء او الزّملاء، ويكون إنسانا حقودا لا يسامح من عرّضه للأذية او الإهانة.

إن هذه المواقف اذا ما اتبعها الشخص ستؤدّي بالمجتمع المحيط به لأن يتصرّف بطريقة سريّة وبخداع، وذلك يبّرر عدم ثقة هذا الشّخص بمحيطه. وبالتالي، هذه الافعال تؤدّي لدى المصاب بهذا الإضطراب الى ضرورة إستخدام طريقة التّسلّط على الآخر، لذلك فهي حالة معاكسة تظهره يزداد ارتيابا وتجعل المحيطين به ينظرون اليه كشخص ظالم ومستبّد.

العلاج

مثل غالبيّة الامراض النفسية فإنّ علاج هذا النوع من الإضطراب ليس بالامر السهل لأن المصاب به لا يريد أن يعترف بوجود خلل ما لديه، وبالتالي فإنه يملك من الاقتناع ما يكفي ليرفض الخضوع لأي علاج. من هنا فإن استعمال الأدوية لا يساعد كثيرا في هذه الحالة.

وفي هذا السياق ينصح باتباع العلاج النّفسي السّلوكي المعرفي، إذ أنّ المعالج يحاول تغيير طريقة تفكير وحديث المريض حتّى يصبح على يقين انّ من حوله لا يهدفون الى إيذائه وليسوا ضدّه، والمعالج يقوم بمرافقة أهل المصاب ايضاً لمساعدتهم وإرشادهم.

تكثر حالات الاصابات بأمراض نفسية، وتتواجد هذه الحالات في المجتمع حولنا دون أن نلتفت اليها، من هنا تأتي اهمية القراءة والاطلاع، لأن هذه الحالات ستصبح اخطر وغير قابلة للعلاج اذا لم يتداركها الشخص المصاب بالسرعة اللازمة.

أخصّائيّة في علم النفس العيادي