يتواصل «التفاوض» المضني حول قانون الانتخاب في الكواليس السياسية، وأحيانا عدة تطول سهرات النقاش بين «الطهاة»، المتعددي الأذواق، الى ما بعد منتصف الليل، ملامسة ساعات الفجر الاولى.

لكن هذا المخاض المستمر لم يُفض بعد الى انتاج قناعة مشتركة لدى القوى المتباينة حول مشروع انتخابي واحد، يكون قادرا على الجمع بين المصالح المتضاربة، علما ان شخصية بارزة تشارك في النقاش، أبلغت «الديار» ان المخرج ربما يكمن في «المختلط الذكي» الذي تمتزج في تركيبته «مقادير» النسبي والاكثري والميثاقية والعدالة.

والى حين اتضاح الصورة، يدرك الرئيس ميشال عون ان إجراء الانتخابات النيابية على أساس «قانون الستين» يعني انه سيكون مضطرا الى التعايش لمدة أربع سنوات مقبلة مع الطبقة السياسية الحالية التي لا تستطيع، في رأيه، مجاراة الإيقاع الاصلاحي المفترض للعهد. وعليه، فان اعادة انتاج خلايا هذه الطبقة، ستشكل من منظار قصر بعبدا، شبه «إعدام معنوي» للولاية الرئاسية، في بداياتها.

ويعتبر عون ان مهمته الاساسية، كرئيس للجمهورية، هي الدفع نحو إدخال النسبية الى النظام الانتخابي، و«تحريره» من التكلس المزمن الذي يصيب مفاصله، وصولا الى تجديد النخب السياسية وإطلاق الدينامية الضرورية في المؤسسات الدستورية، وفي طليعتها السلطة التشريعية.

بالنسبة الى عون، فان تطوير قانون الانتخاب في اتجاه النسبية، هو التحدي الاهم الذي يواجهه، وهو يعلم انه إذا ربحه، سيكون قد ترك «البصمة المستدامة» في كتاب التاريخ اللبناني باعتباره الرئيس الذي انطلق عهد النسبية في أيامه، تماما كما ان اسم فؤاد شهاب قد اصبح مرادفا للنهضة الادارية التي تحققت في ولايته.

ويُنقل عن عون تأكيده ان الإنهاك لن يصيبه، «ومن ينتظر ان أقبل في نهاية المطاف الامر الواقع، تحت شعار اننا جربنا ولم نتمكن من انتاج قانون انتخابي عصري، إنما هو واهم جدا. وأنا أنصح بألا يراهن أحد على الوقت ظنا منه انني سأتعب او سأوافق على ما هو موجود تحت ضغط المهل الزمنية، او بذريعة ان محاولة ايجاد البديل لم تؤد الى نتيجة»...

ويشير عون الى ان مراعاة خصوصية البعض لا تبرر التمديد لـ«قانون الستين» الذي ليس الاطار الامثل لمحاكاة الهواجس ومعالجتها، مشددا على ان مجموعة خصوصيات انتخابية لا تصنع وطنا، بل تصنع جزرا، وهذا ما نرفضه.

ويعتبر عون ان من واجبه، انطلاقا من موقعه الرئاسي، طمأنة القلقين وأصحاب الهواجس، لافتا الانتباه الى انه يمكن البحث في اعتماد جرعات مدروسة من النسبية، على قاعدة قانون انتخاب ميثاقي، ينطوي على معايير واحدة، ويوفق بين مراعاة الخصوصيات ومقتضيات المصلحة العليا.

ويشدد عون- وفق زواره- على ان النسبية لا تستهدف أحدا، كما يعتقد البعض، بل هي تنصف الجميع وتعكس التنوع السياسي للمجتمع اللبناني.

ويؤكد العارفون بخيارات رئيس الجمهورية انه سيقول كلمته في الوقت المناسب، تبعا لكيفية تطور الامور في المدى القريب، لافتين الانتباه الى ان لديه ما يكفي من الاوراق الدستورية الحاسمة التي سيستخدمها عند الضرورة في اتجاهين: الاول، إبطال اي تمديد إضافي لولاية مجلس النواب إذا حصل، والثاني، الحؤول دون فرض «الستين» كأمر واقع.

ويجزم هؤلاء ان عون يملك من الوسائل ما يسمح له، عند الحاجة، بأن يمنع محاولة فرض إجراء الانتخابات النيابية على اساس القانون النافذ، لافتين الانتباه الى ان الاسبوعين المقبلين سيكونان مفصليين على صعيد تحديد اتجاهات الريح.

ويلفت المقربون من عون الانتباه الى انه يرتكز على قاعدة شعبية واسعة، ساهمت في ايصاله الى رئاسة الجمهورية، وبالتالي فهو قد يعود اليها إذا وجد ضرورة لذلك، علما ان طلائع التحرك الشعبي الداعم لخيار النسبية بدأت تظهر في الشارع، كما يتبين من التظاهرة التي نُظمت قبل ايام امام وزارة الداخلية تأييدا لهذا الخيار.