تعكس الزيارات المكثفة للموفدين العرب والأجانب إلى بيروت، وجود مرحلة جديدة في لبنان عنوانها عودة هذا البلد الذي عصفت فيه رياح الخلافات والتجاذبات السياسية لكي يلعب دوره على المستويين الاقليمي والدولي، كما انها تعكس اهتماماً خارجياً بأمنه واستقراره والسعي إلى إعادة تنشيطه على المستويين الاقتصادي والإنمائي حيث يجمع كل الموفدين على دعم لبنان في كافة المجالات والتنويه بالتطورات السياسية التي شهدها في الآونة الأخيرة، بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية، مروراً بتأليف الحكومة وصولاً إلى إعادة العمل التشريعي إلى وضعه الطبيعي.

ويقابل هذه الزحمة للموفدين العرب والأجانب تجاه لبنان انكباب مديرية شؤون الرئاسة في إعداد برنامج الزيارات التي سيقوم بها الرئيس ميشال عون في الأشهر المقبلة إلى عدد من العواصم العربية والأجنبية، وهذا الأمر أيضاً يُشكّل قوة دفع للبنان لكي يعود ويتبوأ مكانه في المحافل الدولية بعد انقطاع فرضته الظروف السياسية غير الصحية التي لازمته طيلة السنوات الماضية، وبين تقاطر الموفدين إلى لبنان والزيارات المرتقبة لرئيس الجمهورية تجاه الخارج، فانه من المتوقع ان يشهد المشهد السياسي المزيد من الاستقرار الذي سيترجم في مجلسي النواب والوزراء من خلال الكمّ الكبير من المشاريع التي ستقر والتي سيكون لها تأثير فعلي على لبنان إن على المستوى الاقتصادي – الاجتماعي أو على المستوى الانمائي بعد أن مكثت هذه المشاريع في أدراج البرلمان والسراي عدّة سنوات بفعل الانشطار السياسي الذي حال دون التفاهم عليها.

غير أن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل إن الخلافات في وجهات النظر حول قانون الانتخاب ستطيح بشهر العسل الموجود على الضفتين التشريعية والتنفيذية؟ تجيب مصادر سياسية مطلعة باستبعاد حصول ذلك كون أن الخلافات الموجودة على قانون الانتخاب لن يكون في مقدورها إحداث ثقب في المظلة الإقليمية والدولية التي ترعى لبنان والتي كانت الأساس في ملء الشغور الرئاسي، وتأليف الحكومة وعودة الحياة الى البرلمان، فصحيح أن انتخاب الرئيس جاء بارادة لبنانية لكن هذه الإرادة ما كانت لتوجد لولا الرغبة الخارجية في تمرير الاستحقاقات اللبنانية تماشياً مع تطورات حصلت على مستوى أزمات المنطقة.

وفي اعتقاد المصادر فان العامل الإقليمي والدولي الذي ساهم في نقل لبنان من حالة الفراغ والشغور إلى ما نحن عليه من استقرار سياسي لن يدع الساحة السياسية اللبنانية تعود الى حالة التخبط من جديد على خلفية الانتخابات النيابية، وهو ما يعني أن تفاهم ربع الساعة الأخير على اي قانون ستجرى على اساسه الانتخابات النيابية سيحصل لا محال، وأن هذا الاستحقاق سيكون سهل الإنجاز على عكس ما يتصوره البعض، لأن التوافق الذي حصل على الرئاسة والحكومة سيبقى ساري المفعول بخصوص الانتخابات النيابية، وأن الليونة التي حصلت آنذاك على المستويين الداخلي والخارجي ستكون هي السمة في مقاربة الحل بالنسبة لقانون الانتخاب، ولعل الزيارة التي سيقوم بها وفد إيراني في النصف الثاني من شباط المقبل الى السعودية من أجل التنسيق في ما خص موسم الحج تلبية لدعوة رسمية سعودية إلى ايران للمشاركة في الحج هذا العام، تكون حجر اساس لاعادة ترميم الجسور بين البلدين، مما ينعكس إيجاباً على الوضع اللبناني ويساهم في انجاز مختلف الاستحقاقات بشكل سلس وهادئ، ومن هذه الاستحقاقات الانتخابات النيابية، ويضاف إلى ذلك التحوّل الأميركي المنتظر في المنطقة خصوصاً وأن الرئيس الأميركي الجديد أبدى رغبة في التعاون مع روسيا، وهذا يساعد على نضوج التسوية في الشرق الاوسط وحكماً إن لبنان سيكون من بين ابرز المستفيدين من اية تسوية مرتقبة، وسيكون لذلك مردوده الايجابي على ملفات الداخل.

من هنا فان المصادر السياسية ترسم صورة جميلة على المرحلة المقبلة بالنسبة إلى لبنان، وهي ترى انه بالرغم من المخاطر الأمنية التي تعمل الأجهزة الامنية على مواجهتها بالعمليات الاستباقية والتنبه لأي طارئ، فإن قطار الحلول السياسية انطلق وأن تداعيات الانقسام السياسي تتجه الى الأفول لتحل مكانها حالة من الاستقرار والانفتاح بين مختلف القوى السياسية، وترجمة لذلك ستكون الزيارة التي سيقوم بها وزير القوات اللبنانية ملحم رياشي إلى الضاحية، وإن كان على خلفية المشاركة في احتفال يقام تكريماً لجريدة «السفير»، حيث أن مجرّد وجود «القوات» في الضاحية فان ذلك يعني أن ترميم الجسور بين أعداء الأمس لم يعد مستحيلاً، وأن هذه الزيارة ربما تستتبع بزيارات مماثلة لحزب الكتائب الذي يأخذ منذ مُـدّة طريقاً للانفتاح على «حزب الله».

وتخلص المصادر إلى القول بأن لبنان تلقى في اليومين الماضيين من خلال حركة الموفدين رسالة مفادها أن لبنان ليس متروكاً لقدره، بل إنه عاد إلى صلب الاهتمام الإقليمي والدولي بعد غياب استمر لسنوات، وعليه الاستفادة من هذا الواقع لترتيب بيته الداخلي والحؤول دون تمكن الرياح العاتية التي تعصف بالمنطقة من خلع نوافذه وأبوابه.