ليس على وليد جنبلاط أن يطمئنّ كثيرًا الى أن قانونه “المدلّل” الذي ينشده لأنه مفصّلٌ على قياسه وقياس طائفته سيكون هو المنتصر في نهاية مطاف الجدالات والصولات والجولات. بيد أنه قد يكون مطمئنًا الى أنّ أي صيغةٍ بديلة يعمل المسيحيون على إرسائها ستكون كفيلةً بتبديد هواجسه والحفاظ على سيرورة وضعه التمثيلي لا صيرورته، ولكن في إطار صيغةٍ تحفظ "وحدة المعيار".

كثيرةٌ هي اللقاءات التي يعقدها أولاد الثنائية المسيحية الناشئة والمتينة بعيدًا من العدسات. لا صور جديدة تجمع الدكتور سمير جعجع وملحم رياشي وجبران باسيل وابراهيم كنعان. جلّ ما في الأمر أن مشروع قانون انتخابي يُعمل على إنتاجِه قريبًا تحت مسمّى “مختلط” ولكن خارج كل المشاريع المطروحة على ما علمت "البلد".

معراب لن تتراجع

لم يحُل كلام معراب المطمئن لجنبلاط منذ أسابيع دون التزامها كلّ الالتزام وحدة المسار والمصير الانتخابيّيَن مع حليفتها الرابية. لا مجال الى التراجع بعد اليوم بعدما أفلحت الثنائية المسيحية في فرض نفسها رئاسيًا وحكوميًا، ليبقى أمامها استحقاق فرض كلمتها تشريعيًا من خلال قانون ينأى بنفسه عن الستين ومشتقّاته لقناعةٍ في نفسَي الطرفين المسيحيَّين أولًا، وفي نفس رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ثانيًا والذي لا يترك مناسبةً إلا ويؤكد أن لا عودة الى قانون الستين بأي شكلٍ من الأشكال ولا إيثار لصيغة التمديد تحت ذرائع واهية، بل الدفع في اتجاه قانون جديد عصري وإلا فالفراغ أبغض الحلال.

الكتائب "مشمول"

ليست مهمّة عرّابَي التفاهم المسيحي كنعان ورياشي سهلة هذه المرة، بيد أنها ليست مستحيلة خصوصًا أنهما باتا يجيدان خير إجادة استمالة باقي الأطراف من دون إشعارهم بالغبن وعلى رأس هؤلاء حزب الكتائب الذي، وعلى ما علمت “البلد”، ستشمله المباحثات الثنائية بغية الخلوص الى مشروع قانونٍ يناسب الجميع بمن فيهم الشريك المسيحي النائي بنفسه عن الحكومة ولكن المستعدّ لولوج أيّ نقاشاتٍ تعيد روح السلطة اليه والتي من شأنها أن تعبّد الطريق أمام عودته الطوعية الى كنف الحكومة الجديدة بعد إجراء الانتخابات النيابية منتصف العام الجاري.

وحدة المعيار

هذا على جبهة الكتائبيين الذين باتوا أقرب ما يكون الى الدخول في اللعبة المسيحية المُنتِجة والمثمرة والمُعوَّل عليها إرساء قانون جديد خارج الصيغ المطروحة و”المعلوكة”، أما على جبهة المختارة، ووفق معلوماتٍ لـ”البلد” فإن النائب وليد جنبلاط تلقى تطميناتٍ صريحة خارج إطار جولته الأخيرة حتى، مفادُها عدم المضي في قانون يضرّ به وبتمثيله ولكن شرط أن تحترم أي صيغةٍ ستنتصر في نهاية المطاف وحدة المعيار، أي بمعنى أكثر تبسيطًا وشعبويّةً، لا يمكن التعامل مع الشوف وعاليه على أنهما جزيرتان منعزلتان عن الدولة لذا لا بدّ من تفصيل قانون ينصفهما في استثناءٍ غريبٍ ومستهجن دستوريًا، بل ما ينطبق عليهما ينطبق على باقي الدوائر لا سيما المسيحية منها. فلا يجوز على سبيل المثال جمع الشوف وعاليه ضمن دائرة واحدة، والتعامل مع جزين وطرابلس على أنهما دائرتان مستقلتان، ومتى تقرّر أن تكون الدائرة قضاء ينطبق هذا المعيار على كلّ الأقضية، والأمر نفسه متى تقرّر أن تكون الدائرة محافظة.

جنبلاط ليس منطلَقًا...

يُفهَم من الخلاصات المسيحية أن لا استثناءات في المجال الانتخابي لأيٍّ كان حتى لو كان جنبلاط يثير ضجّة إعلامية هذه الفترة. ليس المطلوب تجريده من تمثيله أو رميه بالمظلومية المتقاذفة من طائفة الى أخرى كلّ عام، ولكن في المقابل ليس بديهيًا أو طبيعيًا جعل ما يريده رجل المختارة قاعدةً أو منطلقًا لصوغ أيّ قانون يرضى هو به فيما يضرب بتمثيل باقي الطوائف عرض الحائط. وعليه، تبدو النسبية الكاملة طرحًا ساقطًا في كل الحسابات إلا في حسابات رئيس الجمهورية والسيد حسن نصرالله باعتبار أنها الأكثر صحّة للتمثيل، تمامًا كما بات “الستين” ساقطًا في كلّ الحسابات إلا في حسابات المختارة، أما بينهما فمختلطٌ متنازعٌ على صيغته، وهو ما يحاول التيار الوطني والقوات ومعهما الكتائب قريبًا إعادة تدويره كي يصبح مختلطًا صالحًا للجميع ومقبولًا من الجميع. على أن اجتماعًا آخر لاقاهم الى منتصف الطريق وللغاية نفسها في وزارة المال أمس ضم الوزير علي حسن خليل والوزير جبران باسيل والنائب علي فياض ونادر الحريري، وخلص بدوره الى بشرى بأن مساحة التباعد تضيق وبأن الفرج قريب بقانون يجمع بين الأكثري والنسبي.

القوات-المردة؟

في الأمس، خرقت مشهدية اللقاءات المسيحية المتكررة والتي تتفوق فيها تلك غير المُعلن عنها على المفصوح عنها، زيارةٌ من وزير الإعلام “القواتي” ملحم الرياشي الى دارة رئيس المردة سليمان فرنجية في بنشعي. زيارةٌ فتحت للوهلة الأولى شهية المحللين وذهبت بمخيلاتهم أبعد من حدود ملفات وزارة الإعلام والمتعاقدين والتي كانت بطلة اللقاء. بيد أن الأحاديث الجانبية “الهامشية” مع أنها “غير هامشية” تشكّل بيت القصيد، إذ ورغم التكتّم الذي أحاط بباقي المعلومات الراشحة عن اللقاء والتي لم يأتِ على ذكرها مكتفيًا بتأكيد أن الحديث اقتصر على انتقال وزارة الاعلام الى وزارة تشبه لبنان الـ2017، فإن زيارةً من هذا النوع من شأنها أن تكسر جليديَن على السواء: جليد تاريخي بين المردة والقوات من جهةٍ، وجليد حديث الولادة بين المردة والتيار الوطني لا بل رئيس الجمهورية من جهةٍ ثانية، من دون أن يعني ذلك على ما علمت “البلد” أخذ القواتيين على أنفسهم الدخول في أي وساطةٍ أو مصالحة بين القصر وبنشعي، أولًا لأن موقعهم مع المردة لا يسمح له بلبس هذا الدور، ثانيًا لأن أبواب القصر مفتوحة أمام الجميع وسيّده منفتحٌ على الجميع ولا حاجة الى وسيط ليزور فرنجية القصر، كما أن أي قانون ستخلص اليه لقاءات معراب لن يكون جائرًا في حقّ أبناء المردة الذين يقتصر تموضعهم الانتخابي على الشمال وتحديدًا جزء من الشمال. وبذلك، يكون الرياشي زار بنشعي بصفته وزيرًا للإعلام لا وزيرًا قواتيًا.

ضمانات سيّد القصر

في المحصّلة، يمكن للبنانيين رسميًا أن يودّعوا قانون “الستين” وخير مؤشّر على ذلك مواظبة رئيس الجمهورية على التصويب عليه ورفع السقف في وجهه من دون مهادنة ومن دون احتساب خطّ رجعة، ما يعني أن ضماناتٍ واضحةً نالها سيّدُ القصر ليخرج أمام قاعدته والرأي العام مؤكدًا أن زمن “الستين” ولّى، ولتنشط رابيتُه على خطّ معراب وبالتنسيق مع عين التينة والمختارة وبيت الوسط وحارة حريك لمباركة صيغةٍ جديدة خارج بازار الصيغ المطروحة والتي خرقها على الأقلّ طرفٌ واحدٌ من الأطراف المتضررين منها أو في أحسن الأحوال غير المسترزقين منها على حساب فرقاء وشركاء آخرين كما في السابق.