السؤآل العالمي المطروح ولا إجابة نهائية عليه هو:

كيف نخلي العالم من النووي؟

تخيّل صموئيل هنتغتون صاحب نظرية "صراع الحضارات"، بأن الأمر يفترض حكومة عالمية مسلحة بشكلٍ هائل يتخطى نوايا الدول واستراتيجياتها في الحروب وتكون قادرة على ردع الدولة المعتدية ، مع أنها حكومة ستوصم بالديكتاتورية المطلقة.

"تخيّل" الرجل ومثله أميركا التي لم ولن تنجح في تحقيق العظمة الدوليّة ، ولأنّنا لم نسمع بالحكومات العالمية سوى في النصوص التهويلية أو في المشاهد الخيالية التي تذكّرنا بفيلم avatars مثلاً الذي أسر عين البشر بمشاهده العنيفة الإرهابيّة( أنصح بمشاهدته).

لماذا هذا السؤآل حول مشاهد دموية ليست غريبة وهي مقيمة في أرضنا منذ خمس؟

لسبب واحد هو مدافع ترامب العشوائية وقذائفه مجدداً نحو القلق النووي.

نعم، يتجدّد القلق النووي على لسان دونالد ترامب قبل وبعد دخوله البيت الأبيض ، الأمر الذي يعيد النظر في التفاهم الدولي مع إيران عبر نافذة سيعاد منها خلط الأوراق والملفّات والتحالفات السياسية في مستقبل المنطقة العربيّة.

قبل فتح هذا الملف الغامض نسأل:

كيف نحدد الخارطة النووية العالمية؟

أميركا الدولة الأولى التي امتلكت مفتاح السلاح النووي الذي فتحت به على تجربة أول تفجير نووي في صحراء" نيومكسيكو" ( 16 تموز/يوليو 1945) واستعملته ضد اليابان ( 6 و 9 آب/ أغسطس 1945) التي استسلمت. حاولت احتكاره قانونياً في الأمم المتحدة في مشروع عرف ب "برنار باروخ"،لكن الإتحاد السوفياتي يومها رفضه ليمتلك بدوره سلاحه النووي في 1949، ويستخدمه في تحقيق الخطوة البشرية نحو عالم الفضاء في 1957 مع إطلاقه صاروخ حمل سبوتنيك أول قمر صناعي الى الفضاء. وقع الرعب النووي في العالم وكرّت سبحة الدول النووية:

بريطانيا(1952)،فرنسا(1960)،الصين(1964). تمّ عقد حبّات السبحة الخمس إذاً من الدول الظافرة في الحرب العالمية الثانية، لها حق النقض أي الفيتو الدولي. صعدت باكستان بعد ذلك (1974) سلّم البحث النووي، وتبعتها الهند تحقيقاً للتوازن معها بعد صراعهما الطويل وذلك حتى ال(1998) حيث قامتا بتجاربهما النووية رسمياً ، وبقيتا خارج خيط السبحة والإلحاح الكوني بالنزع الشاملٍ العالمي لهذا السلاح المرعب. امتلك المناخ الدولي بعدها قلق في المجال بعدما صارت "إسرائيل" القنبلة النووية الغامضة، وبعدها جنوب أفريقيا التي إمتلكت وسرعان ما تخلّت عن برنامجها النووي ومثلها فعلت البرازيل والأرجنتين. وبانت الشهوة النووية طاغية على التطلعات الدولية المسكونة برعب هيروشيما وناكازاكي والمحكومة بتكاليفها الباهظة المرهقة لإمكانيات الدول المالية والخاضعة لضغوطات أمنية وسياسية أميركية ودوليّة.

أعلنت اليابان في العام1993، عن إمكانية بلوغ برنامجها النووي النضوج خشية قيام قوة كورية نووية موحّدة، وخصوصاً كوريا الشمالية عبر تجاربها النووية المتكرّرة. وظهرت مكسيكو عاصمة المكسيك، الدولة الأولى التي تمّ فيها توقيع 14 دولة على معاهدة "تلاتلولكو" لتحريم السلاح النووي في أميركا اللاتينية، وبوشر بتنفيذها في 25 كانون الثاني 1969.وبعد عقدٍ من المفاوضات الصعبة في الأمم المتحدة، تمّ توقيع معاهدة منع إنتاج الأسلحة النووية أو المساعدة على إنتاجها أو الحصول عليها أونقلها أوانتشارها (1 تموز 1968 وبوشر بتنفيذها في 5 آذار 1970)، وأوكلت هيئة الأمم، منقادة لإرادة النادي الدولي الخمسي مهمة تنفيذ المعاهدة الى الوكالة الدولية للطاقة الذريّة إلاّ إذا كان الأمر محصوراً بالأغراض السلمية والعلمية والتنموية للدول. انضمّ الى الموقعين على المعاهدة 8 دول فرضت على الدول المشتركة لا منع السلاح النووي وحسب، بل حتى منع مروره في مناطقها التي يفترض أن تكون خالية من هذا السلاح ، الأمر الذي أجبر أعضاء النادي الدولي الخمس على توقيع بروتوكول ملحق تتعهّد فيه بإرادة الدول غير النووية الموقّعة. وقد وقّع 11 عضواً من مجموعة دول جنوب المحيط الهاديء معاهدة"راروتونغا" وهي جزيرة من جزر كول في المحيط نفسه، منطقةً يفترض احترامها خالية من النووي(11 كانون الأول 1986). وأعلن الفضاء الخارجي منطقة خالية من السلاح النووي وفقاً لمعاهدة دولية (تشرين الأول1967) وتحكم أنشطتها مباديء اللانووي في عمليات اكتشاف الفضاء بما فيه القمر والأجرام السماوية الأخر، وتسري المباديء نفسها بالنسبة الى قعر الأرض وأعماق البحار والمحيطات (معاهدة 18 أيار 1972).

ظهرت إيران منذ ال1979 فوق هذه الخارطة، بصفتها النووية مع دبلوماسية غامضة الى أن وقّعت في 14 تموز من العام 2015، مع مجموعة "5 + 1"، التي تضم الدول الـ5 الدائمة العضوية في مجلس الأمن، أي روسيا والولايات المتحدة والصين وبريطانيا وفرنسا، بالإضافة إلى ألمانيا، اتفاقا قضى بتسوية ملف طهران النووي التي إستغرق سنوات طويلة وشاقّة من المفاوضات. وأعلنت الدول الموقّعة على الإتفاقية في 16 كانون الثاني 2016، المباشرة بتنفيذ الخطة المشتركة الشاملة التي قضت برفع العقوبات على إيران بسبب أنشطتها النووية مقابل كبح طهران النووية ووضعها تحت المراقبة الشاملة من قبل الوكالة الدولية.

قام الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، قبل أن يبلغ الإتفاق عامه الأول ، وخصوصاً خلال حملته الإنتخابيّة، بالمجاهرة القويّة بعزمه على نقض هذا الإتّفاق النووي مع إيران وحتى إلغائه بإعتباره" القرار الأممي الأكثر سوءاً وحماقةً". وعاد بعد فوزه في إنتخابات الرئاسة،الى تأكيد السير في تنفيذ ما وعد به بنقض الإتّفاق الذي رجّحت التحليلات قبل إنتخابه بأنّه موقف كيدي وربّما عدائي لسياسة سلفه باراك أوباما. سرعان ما ردّت طهران على لسان رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي بأنها "ترفض بالمطلق فكرة تعديل أي بند من بنود الاتفاق النووي، وهي لن تعيد التفاوض بهذا الشأن مضيفاً أنّه في حال تمزيق ترامب للاتفاق النووي فإننا سنعيد برنامجنا النووي بشكل يصدم الأمريكيين".

الى أين من هنا؟

وكأنّنا فوق بركان نووي مشدود في الشرق الأوسط وفواصله. صحيح أن الخطى الدولية تتداخل في المضمار النووي بين أفكار ومؤسسات نزع السلاح أوعدم انتشاره ومراقبة التسلح والحد منه سواء في الأمم المتحدة أو في مجلس الأمن من دون نتائج حاسمة نهائية حاسمة. لكن الفرضية القائلة بإيران نووية مسألة تجرّ الى سياسات ردعية وشهوات نووية خارقة تعيد تكبيل دول الشرق الأوسط مجدداً نحو نقطة الصفر في ملف التسويات أو"السلام" وإجترارالمصطلحات المسجونة قطعاً بين قوسين بعد سبعة عقودٍ من التجرجر والحروب والكوارث.