طيلة اجتماعات لجنة التواصل النيابية، منذ التمديد الثاني للبرلمان حتى عام 2016، اكتفى عضو تكتل التغيير والإصلاح النائب اميل رحمة بجملة واحدة أطلقها في الاجتماع الأول "نحن كقوى سياسية لا نستطيع أن نخرج بقانون انتخابي جديد". كان يتلفظ بـ PASS عندما يحين دوره للتعبير عن موقف كتلة لبنان الحرّ الموحّد آنذاك.

تشاؤم نائب دير الأحمر المتواصل، في تلك الحقبة، بإمكانية أن يبصر قانون انتخابي جديد، هو واقعي. لم تستند النقاشات إلى معايير وطنية. الصيغ المطروحة كلّها افتقدت وحدة المعايير والتوازن.

التاريخ يعيد نفسه اليوم في اجتماعات اللجنة الرباعية. لا جديد تحت شمس العمليات الحسابية للخبراء التقنيّين. عيون الفرقاء السياسيين محدقة تجاه عدد النواب الذي سيحصلون عليه.

يخرج حزب الله بمنطلقات مختلفة عن اعتبارات الآخرين. يتطلع إلى أيّ قانون يحقق صحة تمثيل حلفائه وعدالته.

وفق المتابعين، حزب الله غير مستعجل على قانون انتخاب "من كلّ وادي عصا". أيّ قانون جديد سيحتاج إلى أكثر من 20 عاماً بالحدّ الأدنى للاتفاق على تغييره.

بالنسبة لحزب الله، الخروج من الستين يجب أن لا يدخل لبنان في دوامة قانون أسوأ منه. لا حماسة عنده لما تروّج له معراب من مشاريع واقتراحات انتخابية قد تعزز الحضور القواتي في البرلمان بأكثر من 14 نائباً.

في خضمّ النقاش المفتوح حول القانون الانتخابي، بدأت تظهر بوادر انقسام جديد بين المعسكرات السياسية.

معسكر القانون النسبي (حزب الله والتيار الوطني الحر، حركة أمل).

معسكر المختلط (تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية)

معسكر الأكثري الكامل (الحزب التقدمي الاشتراكي)

يراهن حزب الله على موقف إيجابي بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، لا سيما أنّ العلاقة بينهما، مفتوحة على إيجابيات وتشاور، عبر أكثر من قناة معلنة وغير معلنة حول ورقة تفاهم، ورؤية مشتركة لقانون الانتخاب.

السؤال هل سيُحرج هذا الواقع الدكتور سمير جعجع ويفرض عليه أن يوازن بين حلفائه الآذاريين السابقين الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط وبين ثنائيته المستجدة ومصالحه مع العهد؟

يؤكد المتابعون للقانون الانتخابي لـ"البناء" أنّ الجولة الأربعين للحوار الثنائي في عين التينة لم تأت بجديد يُبنى عليه. لم يُحدث النقاش أيّ خرق. بقي ممثلو تيار المستقبل مُصرّين على صيغ "المختلط" الهجينة، فيما تمسّك حزب الله بالنسبية البسيطة.

وسط هذا المشهد المتلبّد، لا تميل معظم القوى السياسية إلى نظرية الفراغ، لأنّ تداعياته لن تستثني أحداً. لا شيء اسمه فراغ عند حارة حريك. يبقى مجلس النواب موجوداً، لكن لا يمارس صلاحياته.

لكن إلى أين ستؤول الأمور؟ هل تتمّ الإطاحة بالمهل الانتخابية أم يتمّ تمديدها؟

إنّ تمديد المهل قد يكون فرصة لتأجيل الانتخابات. وفق مصادر مطلعة لـ"البناء"، الكلّ يريد التأجيل، لكن رئيس الجمهورية لن يسير به إلا وفقاً لمرتكز قانوني مقنع خاصة أنه طرح خيارات بديلة كالإطاحة بالمجلس أو الفراغ أو الذهاب إلى استفتاء.

أما الخروج من مرحلة المهل الانتخابية، فإنّ الأسئلة، بحسب المصادر نفسها، تبحث عن أجوبة باتجاه المجهول. المجهول المتأثر بقوة بالنار التي بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب يحدثها في المحيط الإقليمي الأقرب إلى لبنان ومدى تأثر لبنان بها.

كلّ ذلك، من شأنه أن يُعيد حسابات أطراف لبنانية فاعلة سيدفعها كلّ من موقعه إلى إعادة ترتيب أولوياتها على أساس اقتراب هذه النار وإعادة رسم العلاقات الداخلية على قواعد جديدة، قد تُخرج لبنان من الموقع المتجنّب للرياح إلى جعله في قلب العاصفة.

الأكيد وفق المصادر نفسها، أنّ الرئيس عون في مكان والأطراف الشريكة في مكان آخر؛ وهذا قد يؤثر في مرحلة مقبلة على الاستقرار الحكومي وعلى إنتاجية الحكومة.

تشي بداية التباين بين رئيسَي الجمهورية والحكومة أنّ قانون الانتخاب كان خارج التسوية على عكس ما روّج. فرص الاتفاق على قانون جديد معدومة. فرض قانون سمك، لبن، وتمر هندي، يعني حتماً البقاء على القانون النافذ.

اكتفى الرئيس فؤاد السنيورة أمس، رداً على سؤال لـ"البناء، عن إمكانية إقرار قانون انتخابي جديد، بالقول القانون موجود.

فهل يطلّ الستين مجدّداً في نهاية شباط؟