ـ ورود حمراء ودماء حمراء ـ

دم فالنتين سفك لاجل ايمانه وحبه ليسوع ومع مر الايام والسنين تحوّل المعنى الحقيقي لعيد القديس فالنتينوس الشهيد من عيد للعشق والحب الالهي الى مظهر اجتماعي وعيد زمني وطقس انساني تقدم فيه الزهور الحمراء التي تحمل المعنى البشري فقط. ومع قبولها لهذا الحب بين الناس وهو امر طبيعي نصلي ليبقى للعيد بعض معناه الروحي واللاهوتي وقيمته القربانية التضحوية.

طقوسية الحياة ورمزية الشعائر شيء مهم جداً في حياة الجماعات فللحركات معنى وللباس معنى وللكلمات معنى وللبيارق والاعلام معنى. وعلينا ان ندرك خصوبة ودلالة هذه الامور الاساسية في حياة الشعوب لئلا نقع في الفراغ وفي الابتذال او بتدنيس المقدس او بتقديس المدنس. هذه المفاتيح اساسية لادراك حياة الجماعة وتهدئة وجدانها من الوقوع في القلق والشك والاضطراب وعدم الاستقرار لئلا نصاب بحالات عصابية «نفروتية» او «سكيزوفرانية» او «هلوسة» ووسوسة. تفكك كياننا النفسي وتدفعنا الى عدم الاستقرار والسكينة النفسية.

ـ يسوع منبع الحب ـ

يقترب عيد سان فالنتين وتكثر معه التساؤلات عن معنى هذا العيد الحقيقي وعن معنى كل هذه الورود الحمراء. فالنتين اهو حقاً عيد العشق والعشاق ام هو عيد غارق بالتصوف الالهي والاستشهاد لاجل يسوع؟

الحكاية:

فالنتين من تيولوجيا الحب

الى انتربولوجيا العشق والزهور الحمراء

كانت هناك صبية جميلة وعمياء بحبها لوالدها كثيراً، واراد تربيتها تربية مميزة وتثقيفها ثقافة نادرة. فاتاها بأهم عالم ومدرس ومرب وفيلسوف في المدينة وكان اسمه فالنتينوس. وكان مؤمناً مسيحياً اعتنى فالنتينوس بتربية وتثقيف الصبية الجميلة الذكية بكل مسؤولية واهتمام، حتى اتم هذه المهمة الصعبة. وكان خلال تدريسه الفلسفة والرياضيات وعلم الفلك يكلم الصبية عن يسوع المسيح وحبه وموته لاجل خلاص البشرية. وان الله محبة ونور وخلاص وخير وجمال.

ـ ارني جمال الله ـ

وعندما انهى مهمته واتى يودّع الصبية الجميلة العمياء التي انار عقلها بنور العلم والثقافة والمعرفة وانار قلبها بنور الايمان والحب بيسوع المسيح. تفاجأ بطلب الصبية ان يعمدها قبل رحيله عنها فهي تحب يسوع وتريد ان تصبح مسيحية. تعجب من هذا الطلب وهو يعرف ان والد الصبية يكره ويضطهد المسيحيين وهو قاسي الطباع وعنيف التصرفات فرفض الامر خوفاً على حياة الصبية الجميلة لكنها الحت عليه وتوسلت اليه ان يلبي رغبتها ولا يحرمها النعمة بان تكون مسيحية وعند الحاحها وافق على طلبها وسكب ماء العماد على رأسها وعمدها باسم الاب والابن والروح القدس. لتقدر ان ترى جمال الله وان تعرف حبه وتعيش خلاصه.

ـ نور ليسوع ونور للشمس ـ

وللحال انفتحت عيناها وشفيت من عماها. وانار يسوع قلبها وعينيها كما انار فالنتينوس عقلها لا بالعلم والمعرفة فراحت بفرحها تركض الى عند والدها لتخبره وتريه ما حدث. فانذهل الوالد وسألها كيف حدث كل هذا، فاخبرته ان فالنتينوس عمدها وانار قلبها بنور حب المسيح بعد ان انار عقلها بنور حب المعرفة. فغضب الوالد كيف تركت ابنته الديانة الوثنية التي يحبها ورباها فيها وهو يؤمن بها ويدافع عنها. وجن جنونه فأتى بفالنتينوس الى امامه وطلب من الحراس بقطع رأسه.

ـ شجر اللوز يضم جثمان الشهيد ـ

ولم يصغ الى استعطاف ابنته بأن يعفو عن فالنتينوس وان لا يقطع رأسه ويتركه حياً حراً عرفاناً بجميله واقرارآً بفضله. فقطع الحراس رأس فالنتينوس.

فاخذت الصبية الجميلة المسيحية جثمانه، ودفنت جسد فالنتينوس في طرف حديقة اللوز الذي يزهر في عز الشتاء والثلج والبرد. وهو يقال عنه (مجنون الطبيعة). وصارت الصبية تأتي كل سنة الى قبره بباقة من زهر اللوز وتضعها على قبره كاتبة عليها: «الى فالنتينوس مع حبي».

ـ اللوز شجر مجنون ـ

واللوز يزهر في ايام البرد والثلج والشتاء قبل جميع الاشجار فهو مجنون الطبيعة ويزهر معه ايضاً الوزال والجربان والبلان. انها بداية ربيع الحياة والحب والعشق. لكن مع الايام تحول هذا العيد المسيحي الجميل الى عيد الغرام والعشق البشري فقط وافرغ من اي معنى روحي مسيحي له.

ـ للعيد معناه اللاهوتي ـ

فلنعد ونعطي اليوم مجدداً لهذا العيد معناه الحقيقي في الحب الالهي والوله بيسوع المسيح ولا نقبل ان نحوله الى عيد تجاري انساني فقط في طقوسية خالية من اي معنى او رمزية لاهوتية ايمانية.

ـ الله محبة هو ـ

الله محبة هو وخلقنا بمحبته لنا. جبلتنا يداه بمحبة ونفخ فينا روحه. روح المحبة فوجودنا كائناً ينوجد بالمحبة وينعدم بالبغض والحقد والكراهية. فالحب هو في دمنا ولحنا وعظمنا. في نور رعيتنا وسماع آذاننا، في تنفس روايانا وفي اناشيد حنجرتنا وملمس ايدينا.

فالحب بنية طبيعية في كياننا الانساني. وهو نبع فياض فينا وشلال يتدفق في قلب جميع البشر اكان ذلك بطريقة افقية ام بطريقة عمودية. وهو الذي يخرج الانسان من عزلته ووحدته وانانيته ونرجسيته ويجعله منفتحاً لتقبل الآخر واحترامه والسير معه الى كل افق جديد. او بجعل الانسان ينجذب الى حبه لله المطلق الازلي. فالبغض والكره عدمية لوجودنا فنحن نجوع ونموت بالحب هذه هي معطوبيتنا وجرحنا ونجوع ونموت بلا الحب ولا شفاء لنا الا بالحب وقلبنا كما قال القديس اغوسطينيوس خلق لاجل الله ولا يزال قلقاً مضطرباً حتى يرتاح فيه.

احبب وافعل ما تشاء كان يقول القديس اغوسطينوس والقديسة تريزيا الصغيرة كانت تردد اعيش واموت للحب. فجرحنا هو الحب ولا شفاء لنا منه هذه هي معطوبيتنا.

عندما كنت استاذاً جامعياً ورئىساً لجامعة الروح القدس في الكسليك كنت اقول لطلابي لا تكن حياتكم يوماً واحداً للحب بل قد تكون حياتكم هي الحب معنى الحياة الحب. كونوا قلباً خافقاً بالحب والرحمة والحنان والرقة والشفقة والفرح والعطاء وعيداً للحياة بحب. لأنكم من حب الله وحب اهلكم اتيتم والى حب الله تعودون. فالحب هو العيد والعيد هو الحب. لكن اذا احببتم لا تسكروا و«تنهبلوا» لان الحب هو سكرة وتشوه الحياة والجمال ونقاء الآخر والفرح والمغامرة في الحياة. والقلب يموت من دون حب ويموت من كثرة الحب.

الم يبذل الله ذاته حباً لاجلنا واهلنا يبذلون ذاتهم لاجلنا؟ فابذلوا ذاتكم لاجل الله والاخرين الذين يسكنهم الله.