حالَ مرور الطائرة الرئاسية ال​لبنان​ية فوق الأجواء القبرصية خلال رحلتها إلى جمهورية مصر العربية البارحة؛ تبادل الرئيسان اللبناني العماد ميشال عون والقبرصي نيكوس اناستاسياديس برقيتي تحية وسلام للشعبين.

بروتوكول ضروري ولطيف وغير جديد؛ إنَّما غير كافٍ.

لطالما اتسمّت العلاقة اللبنانية القبرصية بالجيدة على المستويات كافة. لا سيّما أنّ قبرص بحكم قربها الجغرافي ونأيها عن التدخل بالحروب اللبنانية كانت ولا زالت منفذا أساسياً للشعب اللبناني عند حالة الضرورة.

ولكن، الثروة النفطية البحريّة فرضت على البلدين علاقة من نوع آخر؛ يسودها القانون والاتفاقيات وليس فقط الودّ والرحلات.

تتداخل بين البلدين المنطقة الإقتصادية الخالصة؛ في العام 2007 عُقِدت اتفاقية بين لبنان وقبرص حول مسودة ترسيم حدود المنطقة الإقتصادية الخالصة؛ وُضعت فيها نقاط نهائية وأخرى موقتة كالنقطة رقم 1 والنقطة رقم 6 جنوبا؛ وذلك بسبب الصراع الحدودي مع ​اسرائيل​.

في العام 2009؛ وفي حكومة فؤاد السنيورة؛ شكلت لجنة وزارية لتعديل واضافة نقاط حدودية؛ تم الاتفاق على التراجع 10 اميال بحرية؛ وقعت الطامة الكبرى حين تبين من الاتفاقية التي عقدتها قبرص مع اسرائيل في العام 2010 أن الأميال المتراجع عنها هي من المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بلبنان، بينما اسرائيل تعتبرها خاصتها. أما قبرص فتعزو الخطأ الى الجانب اللبناني في الاتفاقية اللبنانية القبرصية، الذي لم يحدّد أنّ الاميال المتراجع عنها هي من المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بلبنان، الّذي توجّه إلى الأمم المتحدة وبقي الموضوع دون حل.

في العام 2013 اتفقت الحكومتان اللبنانية والقبرصية على التنسيق عند الاستثمار في استخراج النفط والغاز .

في العام 2014 بدأت شركة إيطالية بحفر ثلاثة آبار نفط في بلوكات حدوديّة مع لبنان، الّذي غرق في إشكالية صدور المراسيم؛ واستفادت من ذلك اسرائيل .

ترسيم الحدود البحرية النهائي مع قبرص والمنطقة الإقتصادية الخالصة قضية لا بدّ من حلّها سريعا؛ فحماية الثروة النفطية واجب وطني ملحّ في ظل حكم الجغرافيا الذي فرضَ على الحدود اللبنانية وجود اسرائيل.

إن المادة 15 من معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار في حالة لبنان وقبرص تنص على ما يلي: "اذا لم يتم الاتفاق على ترسيم حدودي خلال فترة معينة؛ واذا لم تختر الدولتان أيّا من الامكانات الثلاثة المتاحة، اي التحكيم ومحكمة العدل الدولية أو المحكمة الدولية لقانون البحار، عندها يصبح التحكيم إلزامياً".

إنّ الوسائل الدبلوماسية خير الحلول بين بلدين مجاورين لهما تاريخ من هناء العلاقة؛ وإلا فاللجوء الى التحكيم حتمي؛ ما يشير إلى أنّ الزيارات الرسمية المتبادلة الللبنانية والقبرصية غير مستبعدة في الحالتين. إنَّما، يتوقف الأمر على مدى السرعة في الخطة المعتمدة من الدولة اللبنانية تجاه البدء بالانتفاع من ثروة النفط والغاز.

أمّا من جهة أخرى؛ وفي مشهدية مغايرة تماماً؛ إنّ إبرام الإتفاقيات الدولية محصور بحسب المادة 52 من الدستور اللبناني برئيس الجمهورية وحده؛ فالاتفاقية التي عقدتها حكومة السنيورة مع قبرص بتكليف فردي منه لمدير عام النقل البري والبحري آنذاك، يعتبرها عدد لا بأس به من القانونيين باطلة وغير دستورية. إذاً ينتج عن بطلانها وإهمالها مساحة وصلاحية كاملة لرئيس الجمهورية اللبناني، لإجراء المفاوضات اللازمة وعقد اتفاقية جديدة مع قبرص بنقاط أوضح، وبنود أدقّ حيال قضية إعادة ترسيم الحدود البحرية المشتركة والمنطقة الاقتصادية الخالصة والتنسيق المشترك عند البدء باستثمار البلوكات .

لا شكّ أنّ الموقف القبرصي المستقبلي حيال هذه المسألة هام وأساسي؛ فإمَّا يسهل على لبنان مهمّته في حماية حدوده وثروته والإنتفاع منها وإمّا يعرقل الأمور.

أمّا بوجه انتهاك اسرائيل لسيادة لبنان واستيلائها على جزء من ثروته؛ فلا شكاوى قُدِّمت إلى الأمم المتحدة أو إلى جهات القضاء الدولي المعنية.

طبعاً ،إن محاربة الإرهاب والتنسيق مع دول الجوار على آليات لمكافحته هي قضايا أساسية في زيارات الرئيس عون لدول المنطقة في الوقت الراهن.

ولا شكّ أنّ الإقتصاد اللبناني والثروة النفطية سيكونان من البنود الأُولى على طاولة البحث اللبنانية.

حبَّذا لو ينتهي سجال قانون الإنتخاب، لينتقل العهد إلى خطوة متقدّمة في ملف النفط والغاز لربما تحركت معه عجلة الإقتصاد وتنفّس اللبناني الصعداء. وحبَّذا لو يكون هذا النفس في هواء خال من براكين دخان مولدات المازوت. وإلّا، فبين نفايات الأرض، وتلوث البحر والهواء، الوجهة الصيفية: إلى قبرص جوا وبحرا .