أكد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في رسالة الصوم ان "صلاة وصوم وصدقة ثلاثة متلازمة ومترابطة، تقود مسيرتنا نحو ملكوت الله، المتجلّي في السرّ الفصحي، سرّ موت المسيح لفدائنا من خطايانا، وسرّ قيامته من بين الأموات لتقديسنا بالحياة الجديدة وقد عبّرَ القديس أغوسطينوس عن هذا التّرابط المثلّث بالقول: "أتريد أن تصعد صلاتك إلى السّماء، فامنحها جناحَين، هما الصّوم والصّدقة".

وأوضح ان "الصّوم من الناحية الجسدية هو الإمتناع عن الطعام والسّوائل، ما عدا الماء، من نصف الليل حتّى الظّهر، والإنقطاع عن أكل اللّحوم الحليب ومشتقّاته والبيض في أيّام محدّدة نذكرها في القسم الثاني من هذه الرّسالة. ومن الناحية الروحيّة هو قوت النّفس وغذاء الروح ودواء يُعطي الخلاص والتكفير عن الخطايا ويقترن بالصّلاة والإماتات فيُصبح الطّريق المختصَر للوصول إلى السّماء، على ما يقول القديس أمبروسيوس. ومن الناحية الإجتماعيّة، هو التّصدّق عيّنًا ونقدًا على المحتاجين، في مختلف حاجاتهم، كما يصفها الربّ يسوع في إنجيل متّى: "كنتُ جائعًا، عطشانًا، عريانًا، غريبًا، مريضًا، سجينًا". لا تقتصر هذه الحاجات على البُعد المادّي، بل تشمل أيضًا الشَّأن الروحي والثّافي والمعنوي. ومن الناحية الإنمائيّة، هو القيام بمبادرات ومشاريع توفِّر فرص عمل لشبابنا الطّالع وسواهم"، لافتا إلى ان "الغاية من الصّوم إعداد الذّات للعبور مع المسيح الربّ في فصحه، من حالة الخطيئة إلى حالة النّعمة، الصّوم ضرورة من أجل بلوغ غايته. لا يتوخّى زمن الصوم فرض أصوام وإماتات تفوق طاقتنا البشرية لأنّ الربّ يريد "رحمة لا ذبيحة"، وأن لا تكون خياراتنا في الأطعمة والأشربة سببًا للخصام مع إخوتنا لأنّ المحبّة هي التي تجب أن تحكم أوّلًا في كلّ أصوامنا".

وشدد الراعي على ان "زمن الصوم يشكّل فترة مهمّة من أزمنة السنة الطقسيّة، لأنّه يشكّل زمن تصحيح العلاقات باتّجاهات ثلاثة: مع الله بالصّلاة، ومع الذّات بالصّوم، ومع الإخوة المحتاجين بالصّدقة. يدعو أشعيا النّبي إلى ممارسة صوم مقبول من الله وهو: "حلّ قيود الشّر، وفكّ ربط الظلم، وإطلاق المسحوقين أحرارًا، وتحطيم كلّ استكبار، والصّوم فعل طاعة لله. ليس الصّوم إبتكارًا بشريًّا، بل هو أمرٌ من الله، ترجمته الكنيسة في وصاياها. ويقتضي منّا طاعته والإلتزام به". وأضاف "يدوم هذا الصوم سبعة أسابيع، استعدادًا لعيد الفصح. يبدأ في اثنَين الرماد، وينتهي يوم سبت النور ظهرًا. ويقوم على الامتناع عن الطعام من منتصف اللَّيل حتى الساعة الثانية عشرة ظهرًا، وعلى القطاعة عن اللّحوم والحليب ومشتقّاته والبيض".

وقال: "يكتسب زمن ​الصوم الكبير​ بُعدًا إضافيًّا في "سنة الشّهادة والشُّهداء". فهو موسم إداء الشهادة لإيماننا المسيحي من خلال توبة القلب الظاهرة خارجيًّا في الصوم والصلاة والصدقة. لكنّها تظهر أيضًا في الجديد من مسلكنا وتصرفاتنا وطرق تعاملنا مع الناس، وفي القيام بالواجب وممارسة المسؤوليّة. كتب مار افرام السرياني عن صوم موسى: "لقد صام فاستنار وصلَّى فانتصر. صعد بلون ونزل بلون آخر. صعد بلون أرضي ونزل لابسًا بهاءً سماويًّا. كان له صومه بهجة، وصلاته ينبوع ماء حيّ. وهو رجل الفطنة، وصومه صوم غفران. بمثل هذا الصوم ننطلق لنشهد لإيماننا ونبني مجتمعًا قائمًا على القيم الإنجيليّة والأخلاقيّة والإنسانيّة، بشفاعة أمّنا مريم العذراء وأبينا القدِّيس مارون".