يستمر التفتيش عن «إبرة» قانون الانتخاب وسط «قش» التناقضات السياسية، من دون نتيجة بعد. ولعل ما يعقد هذه المهمة هو ان معظم اللاعبين لا يزالون يُضمرون غير ما يعلنون، وكأن لكل منهم رهانه الخفي. انها مفاوضات «النيات المستترة»، وهذه في العادة من أصعب انواع التفاوض.

وفي انتظار ما سيؤول اليه الكر والفر فوق «الرمال المتحركة»، عُلم ان رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل يدرس أكثر من فكرة جديدة، لإيجاد مخرج من نفق المراوحة في قانون الانتخاب، على ان يحسم خلال الايام القليلة المقبلة الاتجاه النهائي لمشروع التسوية الجديد الذي سيقترحه، بحيث يُفترض ان يعرضه على الاطراف السياسية المعنية، هذا الاسبوع.

وسيحمل «المولود الانتخابي» المرتقب لباسيل ملامح النظام المختلط ايضا، انما وفق مقاربة مغايرة لما طرحه سابقا، كما سيلحظ مشروعه مجموعة اصلاحات تكون جزءا من سلة القانون المفترض.

في هذا الوقت، أبدى الرئيس نبيه بري، امام زواره امس، استغرابه لمحاولة البعض نقل كرة قانون الانتخاب الى ملعب مجلس النواب، لافتا الانتباه الى ان وضع مشروع القانون هو بالدرجة الاولى من مسؤولية الحكومة الحالية التي تشكلت أساسا على قاعدة انها حكومة الانتخابات، فلماذا تتهرب من هذا الواجب ولماذا تتنصل من هذه المهمة التي هي علة وجودها؟

وعندما يقال لبري ان رئيس الجمهورية ميشال عون قد يلجأ الى خيار طرق ابواب المجلس، إذا استمر عجز القوى السياسية عن انتاج قانون جديد، يلفت الانتباه الى ان المجلس النيابي مكوّن أصلا من هذه القوى، فكيف يمكن له ان يحقق ما لا تستطيع تلك الاطراف السياسية تحقيقه، سواء في الحكومة او خارجها؟

وهل يمكن ان يكون عرض مشاريع واقتراحات القوانين الانتخابية على التصويت في الهيئة العامة خياراً محتملاً للخروج من حالة المراوحة، على قاعدة ان آخر الدواء الكي؟ يسارع بري الى التأكيد ان هذا الطرح ليس واردا لديه بتاتا، لان من شأنه ان يهدد بحرب اهلية، مشددا على ان لبنان لا يحتمل قانون انتخاب غير توافقي، إذ ان هذا القانون يتعلق بتكوين السلطة، وبالتالي فان فوز مشروع معين بأكثرية الاصوات سيعني كسر فريق آخر، وهو الامر الذي سيترك تداعيات وخيمة.

وكيف يمكن ان يتعامل بري مع احتمال ان يوجه عون رسالة الى مجلس النواب، تتعلق بقانون الانتخاب؟

يوضح رئيس المجلس ان هناك احتمالين، على هذا الصعيد: الاول، ان يوجه رئيس الجمهورية رسالة الى النواب، والثاني ان يوجهها الى رئيس المجلس، «وعندئذ لا بد لي من دعوة الهيئة العامة الى جلسة لتلاوة الرسالة واتخاذ الموقف المناسب منها».

ويشير بري الى انه لا يزال يحرص على وضع الخيارات المضادة التي يلوّح بها رئيس الجمهورية من حين الى آخر في إطار الحث، للدفع نحو انجاز قانون الانتخاب، لان الاخفاق في تحقيق هذا الانجاز سيشكل ضربة قاسية للعهد.

وعن مخاطر تدحرج المهل، يقول بري: لقد دخلنا في المأزق مع تجاوز المهلة الاولى في 21 شباط الحالي، لكنني أخشى من ان ندخل في المحظور إذا لم نتوصل الى التوافق على قانون قبل تجاوز الخط الاحمر في 17 نيسان المقبل، اي قبل شهرين من نهاية ولاية المجلس الحالي، وهو آخر موعد دستوري يسمح باجراء الانتخابات في موعدها.

وينبه بري الى ان عدم التوافق على قانون، من الآن وحتى ذلك التاريخ، سيضعنا امام الاختيار بين التمديد للمجلس الحالي، واجراء الانتخابات على أساس «الستين»، وأنا أقول بصراحة انني ستين مرة مع قانون الستين برغم معارضتي الشديدة له، ولست مرة واحدة مع التمديد الذي لم يعد بالامكان تبريره ولا قبوله، متسائلا: في المرة السابقة كان الوضع الامني في طرابلس وعرسال هو الحجة.. اما اليوم، فبماذا سيتذرعون؟

وماذا عن فرضية الفراغ التي كان عون قد المح اليها؟

يعتبر بري ان الفراغ مستحيل، وهو يكاد يلامس حدود الانتحار الدستوري، إذ من دون مجلس النواب لا وجود حقيقيا للحكومة، وحتى لرئاسة الجمهورية، مشيرا الى ان أدوارا حيوية لمجلس الوزراء ورئيس الجمهورية تتعطل في ظل غياب سلطة التشريع والرقابة.

ويلفت بري الانتباه الى ان مقدمة الدستور تلحظ ان لبنان دولة برلمانية، في إشارة واضحة الى الموقع المحوري لمجلس النواب في النظام السياسي، محذرا من ان الانزلاق الى الفراغ يدفع في اتجاه التشجيع على انشاء مجلس تأسيسي وإعادة النظر في اتفاق الطائف.

ويعرب بري مجددا عن اعتقاده بأن عون ألمح الى الفراغ من باب التحفيز على وضع قانون جديد، وليس من باب تأييد هذه المغامرة.

وردا على سؤال حول تعليقه على قول الوزير جبران باسيل بانه إذا تعذر التفاهم على الصيغة الانتخابية الجديدة التي سيقترحها، فان «التيار الوطني الحر» سيعود الى المطالبة بتطبيق القانون الارثوذكسي، يجيب بري مبتسما: سبحان من يحيي العظام وهي رميم..

باسيل... والرماد

في المقابل، قال رئيس «التيار الحر» جبران باسيل لـ«الديار»: في اثنين الرماد عند المسيحيين، لا يسعني إلا القول: قانون الستين أصبح رمادا، ولن تقوم له قيامة بعد الآن..

وعلى ايقاع مواقف باسيل، أبلغت مصادر قيادية في التيار لـ«الديار» ان تلويح رئيسه بالعودة الى التمسك بـ «الارثوذكسي» يندرج في سياق رد الفعل على عناد الاطراف الاخرى التي لا تزال ترفض اقتراحات الحلول، الواحد تلو الاخر، فقط بسبب رغبتها في انتزاع مقعد او مقعدين بالزائد.

وتشدد المصادر البرتقالية على ان الطرح الاساسي لـ«التيار الحر» هو «الارثوذكسي»، لكنه وافق على التنازل عنه من أجل تسهيل تسوية ترضي الجميع، وفق معيار واحد، وراح يقدم صيغة وراء أخرى، انطلاقا من معادلة المختلط التي تسمح بالالتقاء في منتصف الطريق.

وتضيف المصادر: إذا كان البعض قد رفض التسويات التي عُرضت عليه، لانها ربما تتسبب بفقدانه مقعداً نيابياً او اثنين، فنحن وافقنا عليها بل بادرنا الى طرحها، برغم انها تحرمنا فرصة كسب 10 او 15 مقعدا اضافيا.

وتلفت المصادر البرتقالية الانتباه الى ان مشاريع المختلط والتأهيل التي طرحها «التيار الحر» انما تنطوي على تنازل منه عن خياراته الاساسية، بغية ايجاد خرق ما في الجدار، مراعاة منه لكون النسبية الكاملة مرفوضة من البعض والنظام الاكثري مرفوض من البعض الآخر.

وتكشف المصادر عن ان المفاوضات كانت قد لامست في السابق حدود الاتفاق على مشروع للمختلط، ولاحقا على مشروع للتاهيل، لكن هناك من عاد وعرقل مسار التفاهم الانتخابي.