على وقع مؤتمري جنيف والآستانة عاد الخيار العسكري ليطل برأسه من جديد، من خلال العملية الأمنية التي نفذتها هيئة "تحرير الشام" في حمص، مستهدفة فرعي الأمن العسكري وأمن الدولة بالمدينة، في ظل تعثر المفاوضات السياسية وسط الخلافات التي لا تزال قائمة بين اللاعبين كافة، لا سيما بين القوى الإقليمية والدولية الفاعلة على الساحة السورية.

بعيداً عن الحصيلة النهائية لهذه العملية، هناك بعض النقاط التي ينبغي التوقف عندها، خصوصاً بعد بروز مشاريع جديدة، تحت عنوان محاربة الإرهاب، مع تسلم الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب السلطة، تقوم بشكل أساسي على خيار المناطق الآمنة، التي كانت الحكومة التركية أول من طالب بها منذ سنوات.

ضمن هذا السياق، تضع مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، العملية الأمنية التي قامت بها "تحرير الشام"، بعد أن كانت خرجت إلى الضوء على خلفية مفاوضات الآستانة بين وفدي المعارضة والحكومة برعاية روسية تركية إيرانية، وتشير إلى أن الهدف الأساسي منها، بالإضافة إلى حماية عناصر "فتح الشام" من الإستهداف، إبقاء الخيار العسكري حاضراً لإستخدامه كورقة ضغط، وتلفت إلى أن الرسائل التي وجهها القائد العسكري للهيئة ​أبو محمد الجولاني​، في رسالته الأخيرة، تؤكد على هذا الأمر.

من وجهة نظر هذه المصادر، تركيا لم تكن بعيدة عن خيار الإستفادة من "فتح الشام" منذ اليوم الأول، خصوصاً أن بعض الفصائل المقربة منها إختارت الذهاب إلى الإلتحاق بـ"تحرير الشام"، على الرغم من أنها أعلنت مرراً أنها تصنف الجبهة منظمة إرهابيّة، بسبب رغبتها في الإستفادة من كل الخيارات الممكنة، نظراً إلى عدم وضوح الرؤية لديها حتى الآن، وتضيف: "اليوم أنقرة تمر في مرحلة صعبة بعد تفجر خلافاتها مع طهران من جديد، وفي ظل إستمرار الإختلاف في وجهات النظر مع واشنطن حول دعم الأخيرة قوات سوريا الديمقراطية".

على هذا الصعيد، تعمد الجولاني، برأي المصادر السياسية المطلعة، الحديث عن أن العملية الأمنية هي درس لبعض السياسيين المنهزمين في جنيف وآستانة، في مؤشر إلى أن "تحرير الشام" لا تريد الإلتزام بكل ما يصدر عن المفاوضات التي تجري، سواء كانت في جنيف أو الآستانة، على إعتبار أن المطلوب منها الإستمرار في عملياتها العسكرية والأمنية، وتؤكد بأن هذا القرار تقف خلفه الجهات التي تقدم الدعم لهذه الهيئة، وتسأل: "هل ستستخدم هذه الورقة للضغط على الحكومة السورية في المرحلة المقبلة، في الوقت الذي يتم فيه الإعداد لتحويل مشروع المناطق الآمنة إلى أمر واقع"؟.

بالنسبة إلى هذه المصادر، السباق القائم على المناطق التي يسيطر عليها "داعش"، في الوقت الراهن، قد ينتقل إلى تلك التي تسيطر عليها الجماعات القريبة من "القاعدة" في المستقبل، مع ترجيحها إستخدام الأخيرة لتنفيذ أعمال محددة ضد الحكومة السورية، مستفيدة من واقعها الحالي، حيث تتقاسم مع الفصائل المعارضة، التي تصنف "معتدلة"، النفوذ في المناطق التي تتواجد فيها، مع العلم أن خيار ذهاب "تحرير الشام" إلى إعلان "إمارة" خاصة بها، تسيطر عليها "النصرة" أو فتح الشام بطريقة أو بأخرى، لا يزال حاضراً، لا سيما إذا ما نجحت في الحصول على "صك البراءة"، في ظل إستمرار الغارات الجوية التي تستهدف قيادات محددة فيها، آخرها تلك التي أدت إلى مقتل نائب زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري المصري عبدالله محمد رجب عبد الرحمن الملقب بـ"أبو الخير".

في المحصلة، الخطوات التي تقوم بها الجماعات المرتبطة بـ"القاعدة"، على هامش المفاوضات السياسية، تؤكد بأنها لا تزال من أبرز أوراق القوة التي يتم الإعتماد عليها، ولكن كيف ستصرف على المستوى السياسي في المستقبل؟