يُقدّر عدد اللاجئين السوريّين إلى مختلف دول العالم، لا سيّما منها دول الجوار، بما بين أربعة إلى خمسة ملايين شخص، يستضيف لبنان منهم نحو مليون لاجئ مُسجّلين في لوائح مُفوّضيّة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إضافة إلى مئات الآلاف غير المُسجّلين. وفي السياق عينه، يُقدّر عدد اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان بنحو نصف مليون، أغلبيّتهم مسجّلين في لوائح "الأونروا"، وذلك من أصل نحو 6 ملايين فلسطيني موزّعين بين لبنان وسوريا والأردن وقطاع غزّة والضفّة الغربيّة. وهذا الحِمل الثقيل-إذا جاز التعبير، جعل الدولة اللبنانيّة ترزح تحت أعباء كبيرة وتتعرّض لمخاطر جسيمة، من دون أيّ بشائر أمل بقرب طيّ أو مُعالجة ملفّي اللاجئين السوريّين والفلسطينيّين.

بالنسبة إلى اللاجئين السوريّين، يحتاج لبنان إلى نحو ملياري دولار في العام لتغطية نفقات المُساعدات الإنسانيّة لهم، ولتمويل الإستثمارات في القرى والبلدات والمدن المُضيفة، ولدعم الجمعيات والهيئات والجهات التي توفّر كلاً من السكن والتعليم والطبابة والغذاء والمياه وغيرها من الحاجات الأساسيّة. صحيح أنّ قسمًا صغيرًا من هؤلاء اللاجئين هم من الأغنياء الذين يُمارسون أعمالاً تجارية أو يعيشون من فوائد أموالهم في المصارف ومن أرباح إستثماراتهم، وصحيح أنّ قسمًا كبيرًا منهم يتراوح تحديدًا بين أربعمئة ألف إلى سبعمئة ألف (تبعًا للمواسم) يعمل في العديد من القطاعات، من البناء إلى الزراعة، ومن المحال التجارية إلى الفنادق، إلخ. لكنّ الأصح أنّ الكثير من هؤلاء العمّال حلّوا مكان اليد العاملة اللبنانيّة وضاعفوا البطالة التي تطال الشباب اللبناني، مُستفيدين من غياب الرقابة الرسميّة ومن رغبة بعض التجار وبعض أصحاب المؤسّسات بخفض الكلفة التشغيليّة العامة لمؤسّساتهم. وبالتالي إنّ الكثير من السوريّين موجودون في لبنان، ليسَ هربًا من النظام وأجهزة إستخباراته أو من "داعش" ومثيلاته من التنظيمات الإرهابيّة، وإنّما بحثًا عن الأمن وعن فرص عمل، وحتى عن مساعدات ماليّة وعينيّة من الأمم المتحدة.

من جهة ثانية، من اللافت أنّه يُوجد في السجون اللبنانيّة حاليًا نحو 1550 سجينًا سوريّ الجنسيّة، في مُقابل 3850 سجينًا لبنانيًا، و885 سجينًا من مختلف الجنسيّات، ما يرفع نسبة السوريّين المسجونين إلى 26 % من إجمالي عدد المساجين! كما يوجد بضع مئات من السوريّين المُحتجزين في نظارات تابعة لقوى الأمن أو في مراكز توقيف تابعة للجيش في إنتظار إحالتهم إلى المراجع القضائيّة المُختصّة. وهذا يدلّ على تورّط قسم كبير من اللاجئين السوريّين في جرائم مختلفة على الأراضي اللبنانيّة. ويُضاف إلى ما سبق، ثبوت تورّط العديد من السوريّين في "خلايا إرهابيّة" موزّعة على عدد من المناطق، وحتى على مخيّمات عشوائيّة للاجئين، الأمر الذي يزيد الضُغوط على الأجهزة الأمنيّة اللبنانيّة التي تُنفّذ دوريًا مداهمات إستباقية لكشف هذه "الخلايا" ولتوقيف أفرادها. وليس سرًّا أنّ اللاجئين السوريّين يتورّطون في مشاكل عدّة مع اللبنانيّين بشكل دائم في كثير من المناطق، كان آخرها في بلدة كفرمان على سبيل المثال. ومن ضمن المشاكل التي يسبّبها النازحون السوريّون أيضًا، حرمان اللبنانيّين 5 ساعات تغذية كهربائيّة يوميّة بحسب دراسة للـ UNDP، إضافة إلى مُضاعفة الشحّ في المياه، والتسبّب في إرتفاع فاتورة الطحين المدعوم، إلخ.

بالإنتقال إلى اللاجئين الفلسطينيّين، فإنّ أزماتهم المُزمنة إزدادت سوءًا في السنوات القليلة الماضية، نتيجة تراجع مُساعدات "وكالة غوث وتشغيل الفلسطينيّين" المعروفة إختصارًا بإسم "أونروا". وبعد وُصول العجز المالي للوكالة المذكورة إلى حدود 80 مليون دولار أميركي، قامت بتخفيض وتقليص خدماتها ومساعداتها في مجالات الصحّة والتعليم والشؤون الإجتماعيّة وغيرها، الأمر الذي إنعكس مزيدًا من المشاكل داخل المخيّمات. وليس سرًّا أنّ بعض هذه المخيّمات، وفي طليعتها مخيّم "عين الحلوة"، تحوّل مع الوقت إلى جزر أمنيّة خارج سُلطة الدولة اللبنانيّة تأوي مئات المطلوبين بمُذكرات توقيف، ومجموعات إرهابيّة خطيرة، تعرّضت للجيش والعسكريّين، ونفّذت عمليّات أمنيّة ضُدّ القوات الدوليّة العاملة في الجنوب "اليونيفل"، وشاركت في هجمات ٍإرهابيّة ضُد أهداف مدنيّة في لبنان. وبحسب المعلومات المتوفّرة للسُلطات اللبنانيّة فإنّ عدد المُسلّحين الفلسطينيّين داخل المخيّمات، يُقدّر بنحو 7000 مُسلّح. ويُضاف إلى ما سبق نحو 1000 مُسلّح خارج المخيّمات، وتحديدًا في كل من بلدات الناعمة وحلوة وينطا و"خلّة السمقانيّة" و"السلطان يعقوب" و"وادي حشمش" وكفرزبد وقوسايا، وهؤلاء هم بأغلبيّتهم من تركة حقبة الإحتلال السوري للبنان. وهذا الأمر يُشكّل ملفًا ضاغطًا يؤرق السُلطة اللبنانيّة، ويُبقي الأمن اللبناني تحت رحمة جهات عدّة، بدءًا من "زعماء أزقّة" وُصولاً إلى أجهزة إستخبارات أجنبيّة. وما حدث في مخيّم "نهر البارد" في العام 2007، وما يحدث حاليًا في مخيّم "عين الحلوة"، يكشف عمق الثغرات الأمنيّة التي تسبّب بها التأجيل المُستمر في مُعالجة ملفّ اللاجئين الفلسطينيّين والسلاح الفلسطيني. وبحسب التقارير الإستخباريّة، إنّ الكثير من "الخلايا الفلسطينيّة" قادرة ليس على تنفيذ هجمات إرهابيّة فحسب، إنّما على السيطرة بالنار على طرقات حسّاسة وأساسيّة في لبنان، في حال إتخذ القرار بذلك.

في الخلاصة، وعلى الرغم من الأعباء الكبيرة والمخاطر الجمّة التي يُسبّبها اللاجئون في لبنان، أكانوا يحملون الجنسيّة السوريّة أو الفلسطينيّة، فإنّ أيّ معالجات جدّية لهذين الملفّين الشائكين لم تنطلق بعد، بسبب خلافات وإنقسامات داخليّة، ونتيجة تضارب في الآراء بالنسبة إلى الأساليب الأفضل للمُعالجة، وكذلك بسبب مجموعة من المشاكل المُتراكمة التي تحجب الرؤية عن واقع خطير صار يُهدّد بنية الكيان اللبناني في ظلّ لا مبالاة أو عجز لدى أغلبيّة الجهات السياسيّة، مع إستثناءات قليلة لقوى لا تزال ترفع الصوت مُطالبة بالعمل منذ اليوم على حلّ هاتين المُعضلتين. وربّما حان الوقت للسلطة اللبنانيّة أن تضع إتهامات العنصريّة بحقها جانبًا، وأن تبدأ خطوات عمليّة لسحب السلاح الفلسطيني المُتفلّت، ولتنظيم اللجوء السوري إلى لبنان، تمهيدًا للبدء بالعودة إلى سوريا، أكان إلى مناطق خاصعة لسلطة النظام أم إلى مناطق خاضعة للمعارضة.