في الأيام القليلة الماضية، زار البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي القصر الجمهوري. زيارة لم تكن أبداً من باب الصدفة بل مقصودة ومرتبة في الظرف السياسي الإنتخابي الذي يعيشه البلد، والهدف منها، ما قاله رأس الكنيسة المارونية بعد لقائه رأس الدولة، رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وفيه "ندعم الرئيس عون بكل الأمور التي يقوم بها خصوصاً موضوع مكافحة الفساد واعادة المال العام الى خزينة الدولة". وكي لا يفسر دعم البطريرك للرئيس عون غير شامل لقانون الإنتخاب، أضاف الراعي قائلاً "نطالب بقانون انتخابي يضمن للمواطن قيمة صوته كي نوابه".

من هنا تتوقع الأوساط الكنسية أن يكون بيان مجلس المطارنة الذي سينعقد اليوم في بكركي بمثابة صرخة مدوّية بوجه كل السياسيين الذين يطالبون أو يلمّحون علناً أو عن طريق الهمس بإجراء ​الإنتخابات النيابية​ في موعدها ولو على أساس قانون الدوحة 2008/25 المعروف بقانون الستين وهو القانون النافذ، "كل ذلك"، تقول المصادر الكنسية الرفيعة، "لأن بكركي ترفض رفضاً قاطعاً تزوير إرادة الناخبين مرة جديدة، عبر القانون الحالي البعيد كل البعد عن العدل بسبب إعتماده نظام الاقتراع الأكثري وبسبب توزيع المقاعد على دوائر تمنع المسيحيين من إختيار الغالبية الساحقة من نوابهم".

بيان مجلس المطارنة سيسمّي الأشياء بأسمائها حتى لو أثار ذلك إمتعاض بعض الأفرقاء السياسيين، وفي هذا السياق، يقول مطران بارز، "في الأمور الأساسية والمصيرية، يجب أن تقال الحقيقة كما هي، من دون مسايرة هذا الفريق أو ذاك، ومن دون مراعاة هذه المرجعية السياسية أو تلك". وكما حصل عند تشكيل الحكومة، يوم تمسك البعض بحقيبة محددة، من دون أن يكون هناك نص دستوري أو قانوني يسمح بهذا التمسّك، ما دفع سيد بكركي الى القول صراحة "لا يجوز استبدال سلّة الشروط بصيغ التشبث بحقائب وباستخدام "الفيتو" من فريق ضد آخر وهذا أمر مخالف للدستور ووثيقة الوفاق الوطني ويدخل أعرافاً تشرّع الباب أمام آخرين للمبادلة بالمثل" سيقول البطريرك الراعي كلمته هذه المرة أيضاً ولو أن هذه الكلمة ستثير حفيظة البعض.

وبما أن رئيس مجلس النواب نبيه بري، هو المقصود في حديث المطران البارز، وبما أن بري اليوم لا ينفك عن المطالبة بإجراء الإنتخابات في موعدها ولو على أساس القانون النافذ إذا لم يتم الإتفاق على قانون جديد، قد يعود السجال السياسي بين بكركي وعين التينة الى ما كان عليه قبل الإنتخابات الرئاسية (على خلفية السلّة المسبقة التي طرحها بري ورفضها عون) وعشيّة تشكيل الحكومة (على خلفية تمسك برّي بحقيبة المال). سجال قد يفرض عودة حركة الموفدين بين مقر البطريركية المارونية وقصر الرئاسة الثانية بهدف تهدئة الوضع والإيحاء بإن ما من مشكلة بين الفريقين. سجال ليس الهدف من فتحه إلا عدم الإبقاء على القانون الإنتخابي الحالي المجحف بحق المسيحيين الذين حان وقت عودتهم الحقيقية الى الدولة ومؤسساتها.