غالباً ما نُصلّي إلى الله ليرفع الظُلمَ عن بَني البَشر ويُحَقِّقَ العدالة المفقودة، فيُطعم الجياع ويكسو العراة ويَسقي العِطاش ويُداوي المرضى ويرأف بالمتروكين والمرذولين، وصلاتنا هي واجب، وكيف لا ونحن تعلّمنا منذ طفولتنا أن نُصلّي من أجل الآخرين ونسأل لهم من الربّ يسوع كلّ خير!.

ولكن هلاّ تساءلنا لمرَّةٍ واحدة، كيف وبأيّة أدواتٍ يُحبّ الله ويُحقّق عدالته في علم البشر؟!.

نعم،كيف للربّ أن يُطعِمَ ويسقي ويُعزّي ويُفرِّج ويَعود ويُشَدّد، إذا ما حرَّكنا ساكِناً، وإن بقينا مُطمئنين لِما نحنُ عليه ولِما هو مَعنا؟! هل رأيتم لمرَّةٍ واحِدة قُفَفاً مملوءةً بالمواد الغذائيّة تنزل إلينا من السماء لتقوت الجياع في الأرض؟! أم أدويةً مُصَنَّعة بحسب المواصفات العالميّة، يُوزّعها علينا المُصَنِّع السماوي بحسب أمراضنا؟! أم بيوتاً جاهزة للسكن يُشيّدها المُقاوِلُ الإلهيّ للمُعوزين والمُشرّدين؟!. لقد أعطانا الله الخالق الخليقة كلّها وما فيها من خير لا ليُشَيِّدَ هو مصانع سماوية، بل لنُشَيِّدَ نحن مصانع أرضيّةتخدم الغاية السماوية. لاليفتتِح هو مخابزَ سماوية توزّع الخبز على أهل الأرض، بل لنَفتَتِح نحنُ مخابز أرضية تُوزّعَ خُبزه على الجائعين. لا ليَمُدّ هو قساطل المياه التي تُروي العطاش، بل لنمُدَّ نحن قساطلَ تسمَحُ لمياهه بأن تُروي العِطاش. لا ليَبنيَّ هو بيوتا ومنازل للمحرومين، بل لِنَبنيَّ نحن على أرضه بيوتاً، ولنأويَ نحن في منازله المُشردين والمتروكين. لا ليَرحَمَ هو وحسب كونَه الرحمة اللامتناهية، بل لنكون نحن أدوات رحمته على الدوام في العالم. في الحقيقة، وفي كثيرٍ من الأحيان، نُصَلّي إلى الله لكي يُريحنا من مسؤولياتنا تجاه بعضنا البعض، وليَحُلَّ محلّنا فيقوم بِما يجدُر بِنا نحن القيام بِه، وبما هو خاصٌّ فينا.

مَن يُصلّي ويتضرّع إلى الله ولا يُثمر ثمار المحبّة، يُثرثِر ولا يُصَلّي. ولكي يُصَلّي حقيقةً، على المُصَلّي أن يَعمَلُ أعمال الله. وأعمال الله تتألّق في محبّة الإخوة، وفي السعي إلى بناء ملكوت الله في العالم؛ ملكوت الأخوة والتضامن والرِفق والإنتباه والسلام والمودّة والعدالة، وإلى جعل العالم أكثر جمالاً وإنسانيّةً.

لنُصَلِّ إذاً، ولتكن الصلاة دافعاً لعمل المحبّة والقيام بأعمال الله، ولا نكتفي بصلواتٍ تُخدِّر ضمائرنا وتجعلنا نظنّ بأننا نُصلّي ونحن لا نفعل؛ فالصلاة والترنيم وحدهما لا يُطعِما الجياع، بل العمل. قال القديس يعقوب لهؤلاء:" مَا النَّفْعُ، يا إِخْوتِي، إِنْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيْمَانًا ولا أَعْمَالَ لَهُ؟ أَلَعَلَّ الإِيْمَانَ يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟ إِذَا كانَ أَخٌ أَو أُخْتٌ عُرْيَانَيْن، يُعْوِزُهُمَا القُوتُ اليَّومِيّ، ووَاحِدٌ مْنكُم قَالَ لَهُمَا: «إِذْهَبَا بِسَلام، وسْتَدْفِئَا وشْبَعَا»، وأَنْتُم لَمْ تُعْطُوهُمَا حَاجَاتِ الجَسَد، فَأَيُّ نَفْعٍ في ذلِكَ؟ كذلِكَ الإِيْمَانُ أَيْضًا، إِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بالأَعْمَال، فهوَ مَيْتٌ في ذَاتِهِ"(يع214-17).

كلامٌ لنا لئلاّ نَظُنُّ بأنّنا نُصليّ ونحن لا نُصلّي، مع أنّنا نُصَلّي.