طرحت الاشتباكات الاخيرة في ​مخيم عين الحلوة​ في منطقة صيدا، ثم في مخيم "برج البراجنة" في قلب العاصمة بيروت، تساؤلات كثيرة حول توقيتها وخلفياتها، وما اذا كانت مترابطة وتأتي في اطار مخطط مشبوه لتوتير الامن اللبناني عبر بوابة ​المخيمات الفلسطينية​، ام انها مجرد صدفة غير مترابطة نظرا لاختلاف اسباب كل منها وخلفياتها؟.

رغم شرعية التساؤلات في هذا الوقت الذي تخشى فيه الاجهزة الامنية اللبنانية من تشظّي تنظيم "داعش" الارهابي من الرقة في سوريا والموصل في العراق وتداعياته على المنطقة ومنها لبنان وبالاخص المخيمات الفلسطينية، وتاليا ارتفاع منسوب المخاوف والهواجس، من أن يكون هناك "مخططا مشبوها" لتحريك ورقة المخيمات الفلسطينية من العنوان الامني، يمتد من عين الحلوة جنوبا، الى البداوي شمالا مرورا الى برج البراجنة في العاصمة، في ظل الاستقرار اللبناني، الا ان اوساطًا فلسطينية ولبنانية استبعدت ترابط الاحداث نظرا للخلفيات المتفاوتة، والتي تأخذ الطابع الفردي والعائلي في البداوي والبرج، بينما تختلف الاسباب في عين الحلوة، نتيجة جملة من التراكمات وأبرزها السياسية والثأرية، مع غياب المعالجة الجذرية، واستمرار معادلة "الأمن بالتراضي" وصولا الى "المربعات الامنية" والمناطقية أحيانا.

في الوقت ذاته، ورغم القناعة باستبعاد الترابط، الا ان عنف الاشتباكات واستمرارها لساعات والخسائر والاضرار التي نتجت عنها، اوحت بشكل واضح، ان ثمة احتقان بين مخيم البرج والجوار اللبناني، تمثل بسرعة تحويل الاشتباك العائلي الى طائفيِّ حينا وفلسطيني-لبناني احيانا، والأخطر وجود أرض خصبة لدخول "طرف ثالث" على خط التوتير، حيث عمل على استهداف الفريقين لصب الزيت على نار الاقتتال، وقد سارعت القوى الفلسطينية واللبنانية الى استيعابه نتيجة التواصل شبه اليومي بين القيادتين والتي كانت منشغلة بتفكيك الغام الاختلاف في عين الحلوة.

مقابل ذلك، نجحت القوى اللبنانية السياسية والامنية في تذليل "العقبات" التي كانت تعترض اعلان ولادة "القوة المشتركة" في عين الحلوة، لحفظ أمنه واستقراره، والتي دفعت "القوى الاسلامية" قبل ايام الى تعليق مشاركتها فيها، قبل ان تعود وتعدل "عصبة الانصار الاسلامية" موقفها مجددا بعد جولة ومروحة لقاءات، امتدت من صيدا الى بيروت وبمختلف الاتجاهات وشملت كل من المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، مدير فرع مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب العميد الركن خضر حمود، مسؤول الملف الفلسطيني في حركة "أمل" الحاج محمد الجباوي وعضو المكتب السياسي بسام كجك، مسؤول الملف الفلسطيسني في "حزب الله" الحاج حسن حب الله، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة الشيخ ماهر حمود والنائب بهية الحريري وقيادتي "حماس" و"الجهاد الاسلامي"، الذين لعبوا دورا في تقريب وجهات النظر، مؤكدين على اهمية حماية المخيم ومنع انفلات الوضع الامني في هذه المرحلة الدقيقة.

واكدت مصادر فلسطينية لـ"النشرة" ان ثمرة الجهود والمساعي الحميدة تولاها لبنانيا بشكل خاص، الجباوي باسم رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وفسطينيا عضو المكتب السياسي لـ"جبهة التحرير الفلسطينية" صلاح اليوسف ومسؤول "حزب الشعب الفلسطيني" غسان أيوب، ترجمت عبر لقاء قيادي عقد في سفارة دولة فلسطين في بيروت، بين السفير أشرف دبور، مسؤول "عصبة الانصار الاسلامية" الشيخ ابو طارق السعدي والناطق الرسمي الشيخ ابو شريف عقل، اضافة الجباوي، حيث جرى مناقشة كافة القضايا العالقة بروح من الشفافية والمسؤولية، وصولا الى الاتفاق على اعلان ولادة "القوة المشتركة" قريبا.

ووفق المعلومات، فان "القوى الاسلامية" طرحت جملة من الملاحظات تتعلق بـ "القوة المشتركة"، وأهمية رفع عدد عناصرها لضمان نجاح الانتشار في "المناطق الحساسة" منعا لأي صدام او اشتباك، توسيع اطارها لتشمل الامن الاجتماعي وتنظيم السير وحماية مدارس ومقرات "الاونروا" منعا لتعرضها مجددا لأي استهداف، ضرورة التعويض عن الاضرار التي لحقت بالأملاك من منازل ومحال تجارية وسيارات مدنية ومساجد، دفع "دية" لذوي الضحايا والجرحى، لان كل ذلك يؤدي الى "تبريد الاجواء" وتنفيس الاحتقان، وصولا لاجراء مصالحات وتهيئة الظروف لضمان نجاح "القوة المشتركة" في مهامها كافة.

ووفق المعلومات نفسها، فان القضية الاكثر سخونة واختلافا كانت في المطلوبين اللبنانيين والفلسطينيين، وقد أبلغت "عصبة الانصار" القوى اللبنانية السياسية والامنية، ضرورة معالجة هذا الملف بروية وهدوء بعيدا عن الضجيج الاعلامي وبطرق متشعبة، لان المطلوبين لن يسلموا انفسهم طوعا، وتوازيا فان اعتقالهم بالقوة سيؤدي الى اقتتال وفتنة لا يعرف احد كيف تنتهي، وبالتالي ضرورة استخدام اساليب أخرى منها الضغط باتجاه خروجهم كما دخلوا، ومنها تعهدات بعدم التنسيق او القيام باي خلل أمني وفق ما جرى سابقا مع الفنان المعتزل فضل شاكر، ومنها ما يؤمّن محاكمة عادلة لهم.

واشارت المعلومات، ان التهدئة في هذا الموضوع جاء على خلفية "رسائل متبادلة" بين "القوى الاسلامية" و"المجموعات المتشددة" والتي أوحت بان الامور تسير بنحو سلبي، في حال استمرت الاوضاع على ما هو عليه، ما ينذر بالاسوأ، خصوصًا في ظل تفلت بعض افرادها، وتداخل مصالح "قوى متناقضة" لابقاء التوتر على حاله القابل للانفجار عند اي حدث وتوقيت قد تختاره في ظل خارطة المنطقة المعقدة والمشتعلة.

خلاصة القول، ان "التهدئة" تحولت الى مطلب فلسطيني ولبناني معا، لتفكيك الغام التفجير ومنع تحويل المخيم الى "صندوق بريد" داخلي وخارجي او ممرا او مستقرا لاستهداف الامن اللبناني وهذا ما وعدت به القوى الفلسطينية في هذه المرحلة على الاقل بانتظار الحل الاشمل وبروية.