منذ أيام قصدت مجموعة من الشبّان متجرا مشهورا في بيروت يبيع السمك من ضمن مئات الأصناف الأخرى، طلبوا وجبتهم وانتظروا الطعام. كانت تجربة مقرفة واكثر، يقول أحد الشبان، فرائحة السمك المقلي شكّلت خليطا من روائح مكبات النفايات ورائحة المجاري الصحية.
ليست المرة الاولى التي يقع فيها هذا المتجر في فخ "الطعام الفاسد"، ففي العام 2014 قامت وزارة الداخلية بإقفال قسم اللحوم في المتجر نفسه، بعد أن اثبتت التحليلات التي قامت بها فرق وزارة الصحة يومها أن "لحم العجل" غير مطابق للمواصفات.
ظنّ اللبنانيون للحظة أن سلامة الغذاء أصبحت على المسار السليم، وأن التجار وأصحاب المحال شعروا بتأنيب الضمير، ولكن التجارب أثبتت أن حال الفاسد لا يمكن أن يصطلح اعتمادا على ضمير غائب لديه، وأن لا مجال للحل سوى بإقفال محلات الفاسدين وزجهم في السجن، الى جانب الجرذان نفسها التي كانت تنتشر في مطابخ مطاعمهم ومستودعاتهم. ولكن هذه الاجراءات بحاجة للتمويل.
ازاء هذا الواقع، لا بد أن نتساءل عن مصير حملة سلامة الغذاء التي انطلقت على عهد وزير الصحة السابق وائل أبو فاعور، فبعد أن كنا نتلقى يوميا بيانات الحملة التي تشهّر بالفاسدين، غابت المداهمات عن السمع. وهنا تكشف مصادر مطلعة لـ"النشرة" أن زخم الحملة ضعُف بعد انتهاء عقود المراقبين مع المنظمات الدولية التي كانت تمول رواتبهم. وتضيف: "طلب أبو فاعور من مجلس الوزراء الموافقة على عقود شراء خدمات لـ75 موظفا، ولكن مهمته في الوزراة انتهت قبل تأمين الاعتمادات اللازمة لهؤلاء"، مشيرة الى ان لائحة أسماء الـ75 مجمدة بانتظار قرار وزير الصحة الحالي. وتقول المصادر: "اليوم ومن ضمن الاسماء في اللائحة هناك حوالي 40 شخصا لم يلتحقوا بالعمل بعد، و35 شخصا يعملون كمراقبين ولكنهم لا يقبضون الأموال بشكل منتظم".
تسأل المصادر عبر "النشرة" عن مصير المطاعم والمحال والأفران التي أُنذرت بعهد وزير الصحة السابق، فهل صححت أوضاعها؟ كاشفة أن العمل البسيط الذي يقوم به المراقبون اليوم في الاقضية لا يرافقه "إجراءات حاسمة" بل يكتفي هؤلاء بإرسال التقارير للوزارات المختصة لإجراء المقتضى. وتضيف: " ليست حملة سلامة الغذاء وحدها من خفّ زخمها، اذ ان ملف تصنيف برنامج الجودة لدى المطاعم قد توقف أيضا بسبب انتهاء العقد الذي كان قائما بين الشركة المختصة والبنك الدولي".
تكمن قوة الإعلام بقدرته على التأثير على الرأي العام، سلبا وايجابا، ولا شك أن "الهالة" الاعلامية التي رافقت اجراءات وزير الصحة السابق وبغض النظر عن أسبابها جعلت اللبنانيين يشعرون بأمان غذائي، وادخلت الرعب الى نفوس التجّار الفاسدين الذين لا قلوب لهم. ان سلامة الغذاء ليست برنامجا عاديا يمكن له الانتظار في "صف" طالبي التمويل، بل هو حاجة ملحة لضمان سلامة اللبنانيين.