لم تعد الأرقام في لبنان وجهة نظر، بل أصبحت قِصر نظر، ولم تعد الأَصفار الستة إلى اليمين، كدليل على فئة المليون، هي المرعبة، بل أصبحت الأَصفار التسعة إلى اليمين هي المرعبة، فكيف إذا أصبحت إثني عشر صفراً؟

لاعداد الموازنة في لبنان، باتت الحاجة إلى إثني عشر صفراً، حيث أنَّ الموازنة العامة للعام 2017 بلغت 27 ألف مليار، أي بلغة الأصفار فإنَّها تُكتب رقمياً هكذا:

27000.000.000.000

هكذا تُحتَسب بالليرات اللبنانية، أما بالدولار الأميركي فإنَّها تبلغ قرابة الثمانية عشر مليار دولار كحدٍّ أدنى.

الإيرادات فيها تصل إلى إثني عشر مليار دولار كحدٍّ أقصى.

يعني أنَّ نسبة العجز تقفز عن الستة مليارات دولار.

هكذا، أرقامٌ طويلة، لكن النظر قصير في استكشاف مفاعيلها ومخاطرها.

أما المخاطر اللاحقة أو الملحقة بالموازنة فهي في أرقام السلسلة التي تتجاوز المليار وخمسمئة مليون دولار.

***

أين أصبحنا؟

وفي أيِّ بلدٍ نعيش؟

مليارات بالآلاف، أو آلاف المليارات، لا فرق، المهم أنَّنا أصبحنا بلداً حاضرنا مرهون، ومستقبلنا مرهون لأبنائنا وأحفادنا. فحين يبلغ العجز في الموازنة سبعة مليارات دولار، والأوضاع تسير من سيئ إلى أسوأ، فماذا يبقى في البلد؟

يبقى الهدر والفساد، اللذان ينخران الإدارات والوزارات من مناقصات ومزايدات ولا محاسبة ولا مساءلة، كلُّ ما في الأمر أنَّ هناك محاولات خجولة لا أكثر ولا أقل.

هناك كارثة إسمها الإنفاق من دون وعي ومن دون احتساب كيفية تأمين الإيرادات بطريقة محقة وليس بطريقة افتراضية، ولو لم يكن الأمر كذلك لَما كان العجز يقفز بطريقة مخيفة. فالعجز بلغ عام 2014، 3 مليارات دولار، وفي العام 2015، 4 مليارات دولار، هذا يؤكد ان الصرف لم يكن يتمُّ على القاعدة الإثني عشرية، بل كان يفوقها بأشواط، أي أنَّه صرف من دون ضوابط ومن دون حسيب أو رقيب، وهو عبارة عن فتح اعتمادات من خارج أرقام الموازنة وإلا كيف يتضاعف العجز في سنتين؟

فعلى سبيل المثال لا الحصر، كيف ارتفعت الأجور من 3970 مليار ليرة لبنانية في العام 2008 إلى 7080 مليار ليرة لبنانية في العام 2015 مما يعني أنَّ الأجور تضاعفت تقريباً؟

هذا أبلغ دليل على أن توظيفات تمت تحت عناوين التعاقد والفاتورة والمياومة. كذلك الأمر بالنسبة إلى خدمة الدين العام التي ارتفعت من 5304 مليارات ليرة في العام 2008 إلى 7050 ملياراً في العام 2015.

***

في هذه الحالة، يبدو البلد في حال من التدهور المالي بسبب التهور المالي، فالمسؤولون ينفقون من دون قلب ومن دون شفقة، وكأنَّ البلد ليس بلدهم وكأنَّ هذا الشعب ليس شعبهم، فعلى ماذا سيستفيقون غداً؟

على وطن مفلس؟

في هذه الحالة، ما قيمة الإنتخابات النيابية؟

وما قيمة مشاريع قوانين الإنتخابات؟

إذا كانت توضَع لبلدٍ يغرق أكثر فأكثر في الديون ويكاد يصل إلى القاع أي إلى الإفلاس، فمَن ينقذه؟

ما ينقذه هو أن يُعيدوا إلى الخزينة الأموال التي ظهرت في ثراء سريع ومريب للبعض من متعهدين ومدراء عامين ونواب ووزراء.

هكذا يبدأ الإنقاذ وإلا عبثاً المحاولة.