رحم الله نهاد قلعي الّذي كان يقول في مسلسل "صحّ النّوم": "إذا أردنا أن نعرف ماذا يُجرى في إيطاليا... يجب أن نعرف ماذا يُجرى في البرازيل!"...

ونحن اليوم، في وطننا الّذي بات يصحُّ أن نسمّيه فندق "صحّ النّوم"، نجدنا بعد التّظاهرة السّلميّة اليوم الأحد الّتي دعا إليها بعض الأحزاب والمجتمع المدنيّ، في ساحة رياض الصّلح، رفعًا لسيف الضّرائب المسلط على رقاب المواطنين، وبعد تسلّل المُتَزَلّمين بين المتظاهرين السّلميّين، لرمي المفرقعات وتجاوز الحواجز الحديديّة، نسأل على طريقة نهاد قلعي: "إذا أردنا أنْ نعرف مَن يُعرقل التّظاهرات المطلبيّة الاجتماعيّة، يجب أنْ نَعرف مَن يستفيد مِن الفساد"...

هو المشهد التّقليديّ المتكرّر... والمبتَذَل... والخالي من الذّكاء السّياسيّ والضّمير الوطنيّ، لا بل والعميل أيضًا لمصلحة بعض الأجندات الخارجيّة!

فمن يحرّك هؤلاء الشّباب، ويستغلّ حماستهم واندفاعهم، هو "الرّأس المدبّر" للفساد، ومايسترو "الفوضى المميتة"، كما وتدْخُل المؤامرة الخارجيّة على لبنان بدورها، من "حِصان طَروادة الفساد" المستشري.

فما لم يُؤخذ بالسّياسة والحرب على لبنان، قَد يُؤخَذ بإنهاك الدّولة وإغراقها فسادًا... وهذه الرّسالة لكلِّ السّياسيّين.

وما لا بدّ من الإشارة إليه، أنّ الموجة الاحتجاجيّة اليوم، هي الأولى في عهد رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، الّتي تطالب بـ"تغيير النّظام"، ذلك الشّعار الّذي يردّده البعض على طريقة "فليسقط وعد بلفور"، فيما تردّد الصّفوف الأخيرة من التّظاهرة: "فليسقط واحد من فوق"...

إنّ رئيس الحكومة سعد الدّين الحريري يدرك كلّ الواقع المتردّي، وقد ألمح إليه –في كلمته بين الجمهور الغاضب– إذ قال: "سننهي هذا الفساد والإهدار بالتّعاون مع رئيس الجمهوريّة"، في إشارة منه إلى حقيقتَين اثنتين:

-الأولى أنّ التّجاوزات السّابقة في العهد السّابق غير المحمود، لن تنسحب على عهد الرّئيس عون.

-الثّانية أنّ الحريري صادق في مواجهة الفساد، لأنّه يعلم أنّ الوضع ما عاد يُحتَمَل، وأنّ التّرِكة هذه المرّة ثقيلة جدًّا، ولا ما يبرّرها...

غير أنّ صخب بعض المأجورين المندسّين في صفوف المتظاهرين، وضوضاءهم ورمي عصيّهم... حالت كلّها دون سماع كلمة الحريري المقتضبة، ولكن الواضحة والصّادقة.

يبقى أنْ يعلم مُستغلّو الشّباب واندفاعهم، ومَن يعنيهم الأمر، أنّ بطش حسني مبارك وبلطجيَّته، لم يحل دون الثّورة، وكذلك اليد الحديديّة في تونس لم توقفها، وثمّة الكثير من الأمثلة...

لكنّ الوضع في لبنان –وأقلّه الآن– هو غير ما كان يُجرى في المحيط العربيّ وإن كان ثمّة فساد في كلّ القطاعات وعلى كامل البِقاع...

فعلى حلبة مصارعة الفساد عندنا، فاسدون من مختلف الشّرائح السّياسيّة والشّعبيّة، ويقابلهم إصلاحيّون من مختلف الشّرائح أيضًا! ما يُضيء بصيص أملٍ مع العهد الجديد.

ومن الخطأ "تكبير الحجر" مع بداية عهد جديدٍ وواعدٍ.

ومن مصلحة الشّعب اليوم أنْ يعطي عون والحريري فرصة، لا أنْ يحمّلوهما وِزر العهود السّابقة.

وعلى عون والحريري الاستفادة من "غباء" الفاسدين وضعف سياستهم، القائمة على قاعدة "الشّارع يقابله شارع" إضافة إلى التّهديد بـ "تسلّل المندسّين" بين المتظاهرين... وسلاح "الشّعب يريد تغيير النّظام".

وعلى الجميع إعادة قراءة الأحداث الأخيرة في هدوءٍ... وبعيدًا عن المصالح الأنانيّة الضيّقة، فالشّعب جائع، لكنّه ليس مخدّر التّفكير بسبب الجوع.

إنّ فندق صحّ النّوم هو الآن في طور "تغيير الدّيكور"، فأصلحوا أمتعتكم قبل أنْ يرميها المهندس ويستبدلها بأمتعة صالحة للتّرميم الدّاخليّ الجديد!