لفت رئيس مجلس الوزراء ​سعد الحريري​ في حديث لصحيفة "الأهرام" المصرية الى أن "لبنان مر عبر تاريخه بأزمات عديدة، وتعرض لاعتداءات إسرائيلية واجتياحات لأراضيه في العقود الماضية، واللبنانيون تعلموا كثيرا من الحرب الأهلية التي عانوا منها كثيرا منتصف سبعينيات القرن الماضي، وأدت إلى قتل وتهجير مئات الآلاف وتدمير المدن والقرى. ولذلك باتت هناك قناعة لأكثرية اللبنانيين بعدم جدوى تكرار مثل هذه الحروب تحت أي ظرف كان، لأنه لن ينتج عنها سوى الخراب والدمار، ولن تؤدي إلى انتصار أي فريق أو طائفة على اخرى مهما كانت قوته وامتداداته الخارجية"، مشيرا الى أن "هذه التجارب المؤسفة التي عاشها اللبنانيون، جنبت لبنان الانجرار إلى موجات العنف والاقتتال الطائفي والمذهبي وقطعت الطريق على أي جهة أو تنظيم إرهابي في تحقيق أهدافه وإعادة الأمور إلى الوراء".

وأوضح الحريري أن "هناك مشاكل وخلافات سياسية عميقة في لبنان، وهناك تباين فى وجهات النظر حول قضايا حساسة، ولكن السلم الأهلي في لبنان هو خط احمر"، مؤكدا أن "هناك تواصلا بين المسؤولين الأمنيين اللبنانيين والمصريين على أعلى المستويات، لتنسيق الجهود في مواجهة الخطر الارهابي وملاحقة أفراد وخلايا التنظيمات الإرهابية التي انتشرت بكثرة في المنطقة العربية والعالم وباتت تهدد أمن الدول والمجتمعات، وكلما كانت هناك مصلحة لتطوير هذا التواصل والتنسيق الأمني، أعتقد أننا لن نتوانى عن ذلك خصوصا في هذا الظرف الخطير الذى تمر به المنطقة العربية حاليا".

وكشف أنه "كان هناك بعض التحفظات على ترشيحي للعماد عون لرئاسة الجمهروية، ولكن في النهاية زال العديد من هذه التحفظات بعد انتخاب الرئيس عون وتشكيل الحكومة الجديدة، وأصبحنا أمام واقع سياسي ومرحلة سياسية جديدة، ومن الطبيعي أن يكون بعض الافرقاء السياسيين غير راضين وفي موقع معارض، لأنه من الصعب أن يكون هناك إجماع كامل لأننا في نظام ديمقراطي وتعدد الآراء، يبقى هناك من يؤيد وهناك من يعارض ولكن في النهاية أصبحنا أمام أمر واقع جديد وعلى الجميع التعاطي معه كل من موقعه المؤيد أو المعارض"، مشددا على أن "رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة يتعاطى مع الجميع دون استثناء لأنه أصبح لكل اللبنانيين ومسؤولا عنهم، فى حين أن من يريد الاستمرار في المعارضة أو المقاطعة فهذا خياره ونحن نحترمه".

وأضاف: "أما بالنسبة لعودة تيار المستقبل إلى قوته كتجمع سياسي يمثل السنة في لبنان، لا يطابق الواقع، أولا لأن تيار المستقبل وبالرغم من كل الظروف الصعبة التي مرت على لبنان لا يزال محافظا على موقعه من بين أكبر التجمعات السياسية الوطنية ومنتشرا على معظم الأراضي اللبنانية"، مؤكدا أن "الثوابت السياسية التي انطلقت منها قوى 14 آذار لا تزال تجمع بين هذه القوى. هناك تلاقٍ بين بعض هذه القوى في قضايا ومسائل أساسية واختلاف على أخرى، في حين هناك تقارب ونظرة موحدة تجاه القضايا الوطنية الأساسية والنظرة إلى أزمات المنطقة وتحدياتها".

وردا على سؤال حول دفاع رئيس الجمهورية ميشال عون عن سلاح حزب الله، جدد الحريري تشديده على "أننا كتيار سياسي موقفنا معروف ونؤكد عليه باستمرار أننا ضد أي سلاح غير سلاح الجيش والدولة اللبنانية. وفي سائر الأحوال يبقى هذا الموضوع محل تباين وخلاف في وجهات النظر بين اللبنانيين"، معربا عن أسفه لأن "يشكل هذا الموضوع عنصراً اساسياً من عناصر الانقسام الوطني وضعف الدولة، ولكننا نتطلع دائماً الى معالجته تحت سقف الحوار الوطني، والدعوة الى حصرية السلاح في يد الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية الشرعية. فلا شرعية لاي سلاح الا لسلاح الجيش اللبنانى ومؤسساتنا الأمنية. وكل سلاح آخر هو محل خلاف وتباين".

ولفت الحريري الى أن "الحوار مستمر مع حزب الله، وإن كانت الجلسات لا تعقد بالزخم الذي كانت عليه لأننا بتنا نجتمع في جلسات مجلس الوزراء باستمرار. الا أننا لا نزال على موقفنا من سلاح حزب الله وهم مستمرون وسياستهم بالتدخل بالأزمة السورية عسكريا ورفضهم حل مسألة السلاح، في حين ما يجمعنا حاليا المشاركة ضمن الحكومة الواحدة والإجماع على رفض الفتنة المذهبية بين السنّة والشيعة والبحث عن حلول للمسائل والمشاكل الأخرى التي تهم اللبنانيين وتحسن مستوى عيشهم"، مضيفا: "أما فيما يخص إمكانية عقد لقاء مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، فأعتقد أن الظروف غير ملائمة لعقد مثل هذا اللقاء".

وشدد الحريري على "أننا لم ندّخر وسعاً فى سبيل التوصل إلى قانون انتخابات جديد، عقدنا لقاءات متواصلة مع الافرقاء المعنيين لأجل التوصل إلى هذا القانون وما زلنا نعمل بكل جد لتحقيق ذلك، ولكن تداخل التشابكات السياسية وتعدد المشاريع المطروحة واختلاف نظرة الجهات السياسية تجاهها، كلها عوامل أدت إلى التأخير في الاتفاق على قانون جديد"، مشيرا الى أن "هناك استحالة لصدور قانون انتخابات جديد بمعزل عن توافق كل الجهات المعنية عليه، لأن ​قانون الانتخاب​ات هو قانون توافقي في النهاية، وليس قانونا مفروضا على هذه الجهة أو تلك فرضا".

وأشار الى "أننا لسنا فى طريق مسدود، وقد حققنا بعض التقدم من خلال جمع النقاط الإيجابية في القوانين المطروحة، وآمل أن نستطيع في الأيام القليلة المقبلة بلورة تصور لقانون الانتخابات يحظى بتوافق الجميع، وأنا لست متشائما بهذا الخصوص لأن هناك مخارج عديدة لهذه المشكلة، ولن يكون هناك تمديد للمرة الثالثة كما حصل في السابق بل تمديد تقني يمتد لبضعة أشهر لتنفيذ القانون الجديد".

وأضاف: "لا يخفى أن تهجم بعض الأفرقاء اللبنانيين على دول ​مجلس التعاون الخليجي​ قد أثر سلبا على علاقاتها مع لبنان ونحن كحكومة أجرينا العديد من الاتصالات لتجاوز ما حصل والزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية للمملكة العربية السعودية وقطر ساهمت إلى حد بعيد في توضيح موقف لبنان والتأكيد على حسن العلاقات مع دول الخليج عموما"، مطمئنا أن "علاقات سعد الحريري مع المسؤولين بالمملكة ليست موضع تشكيك، لأن الكل يعرف مدى عمق هذه العلاقة ومتانتها".

وحول تجميد الهبة السعودية للجيش، قال الحريري: "سبب التجميد هو سوء تصرف وتهجم بعض الافرقاء اللبنانيين على المملكة وقيادتها مرارا استجابة لتوجهات إقليمية، في حين أن مسألة زيارتي للرياض مرتبطة بجدول أعمال الحكومتين اللبنانية والسعودية ومواضيع البحث بينهما، وليس لأي أمر آخر".

من جهة أخرى، اعتبر أن "مصر لطالما كانت ركيزة أساسية للأمن القومى العربي ولأمن لبنان بالذات، هذا ما عايشه اللبنانيون، إن كان على صعيد الصراع مع إسرائيل أو الأزمات والاهتزازات في المنطقة العربية، ونحن فى لبنان ضد كل ما يمس الأمن والاستقرار في مصر أو أي دولة عربية شقيقة"، معربا عن رفضه لـ"أي محاولة من أي جهة كانت باستعمال لبنان كمنصة أو استغلاله كمنطلق لاستهداف أمن مصر أو غيرها، وعلى قناعة بأن الأمن العربي مرتبط ببعضه البعض، وأي اهتزاز أو استهداف لأي دولة عربية سيصيب الدول الأخرى بشكل أو بآخر، وينعكس ضررا على العرب عموما".

ورأى الحريري أن "الوضع في سوريا معقد وصعب وتأثيره كان واضحا على لبنان الذى عانى ولا يزال يعاني تداعيات هذه الحرب، بفعل تدفق مئات آلاف اللاجئين السوريين إلى أرضه، هربا من ديكتاتورية ووحشية النظام وخطر الارهاب. وكما تعلمون، فإن ذلك يشكل عبئاً على اقتصاد البلد، ناهيك عن التداعيات الأمنية على الحدود المشتركة ومحاولات بعض التنظيمات الإرهابية المتشددة استهداف أمن لبنان واستقراره من وقت لآخر، الأمر الذى يتطلب بقاء القوى والأجهزة الأمنية والعسكرية على درجة عالية من اليقظة والاستعداد لمواجهة مثل هذه المحاولات".

وأشار الى "أننا لم نلحظ أي تقدم فى مفاوضات جنيف باتجاه وقف الحرب الدائرة في سوريا نهائيا، الحرب لا تزال مستمرة لأنه يبدو أن نظام الأسد وحليفه الإقليمي الأساسي، اي ​ايران​، يراهن على حسم الأمور عسكريا، وهو يستغل هذه المفاوضات في سبيل تحقيق هذا الهدف. ولذلك تستمر الحرب"، مشددا على أنه "لا يمكن إنهاء الحرب الدائرة في سوريا، إلا من خلال التسوية السياسية والأخذ بعين الاعتبار مطالب اكثرية الشعب السوري ومشاركته في نظام ديمقراطي يجمع بين كافة مكونات الشعب، ومن غير ذلك يستحيل وقف هذه الحرب المدمرة".

وأكد "أهمية اجتماع اللجنة المشتركة المصرية ـ اللبنانية العليا فى القاهرة بعد غد، عقب انقطاع دام سبع سنوات، وقد طرأت خلالها جملة من المتغيرات والتحولات السياسية والاقتصادية وغيرها، وبات من الضروري، بل من الملحّ، انعقاد اللجنة المشتركة بين البلدين، لدراسة كيفية التعاطى مع هذه التحولات، بما يتلاءم مع مصلحة كل من جمهورية مصر العربية ولبنان وشعبيهما"، موضحا أن "هناك ملفات عديدة مطروحة على جدول الأعمال وفي مقدمتها تفعيل العلاقات السياسية لمواكبة التحديات الداهمة خصوصا، في سوريا والعراق وغيرهما، ومنع تداعياتها وآثارها السلبية قدر الإمكان، وتطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياحية وتحسين مستوى التبادل بين البلدين وزيادة التعاون وتبادل الخبرات في مجال النقل والصحة والتربية وعمالة الأفراد وتشجيع الاستثمارات".

ورأى أن "حجم التعاون الاقتصادي بين مصر ولبنان ليس مرضيا ولا يرقى إلى مستوى العلاقات السياسية الجيدة وأواصر الإخوة والمودة التي تربط بين الشعبين الشقيقين. نحن نسعى بكل جهد لتحقيق نقلة نوعية في مستوى العلاقات الاقتصادية، بما يتلاءم مع دور البلدين وعلاقاتهما التاريخية، ونأمل من خلال الزيارة واجتماع اللجنة المشتركة، في تحقيق هذا الهدف"، لافتا الى أن "هناك فريق كامل من الوزراء يشارك في الوفد وقد أنجزوا دراسة الملفات المدرجة في جدول الأعمال وسيعقدون سلسلة اجتماعات مع نظرائهم المصريين لهذه الغاية، وسيتخلل الزيارة التوقيع على الاتفاقيات المطلوبة والتي تشمل مواضيع التعاون، بدءا من تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية مرورا بكل ما يهم فى قطاعات النقل والبيئة والتعاون الثقافي والبيئي والزراعي والفني وغيرها"، مؤكدا "أننا كحكومة جاهزون لمناقشة إمكانية التعاون بين لبنان ومصر في أي منطقة من العالم، حيث يتواجد المغتربون اللبنانيون بثقل وفاعلية كما هو الحال في بعض الدول الأفريقية.