بتكثيف التواجد العسكرى الأميركي البرى فى سوريا بعد إرسال إدارة الرئيس ​دونالد ترامب​ قوات جديدة قوامها 400 للانضمام للقوات التى تقاتل تنظيم داعش، بدأت مراسم الاستراتيجية الأميركية في سوريا تتضح شيئًا فشيئًا، خاصة بعدما كان الجميع ينتظر ما سيكون عليه موقف الرئيس الأميركي الجديد من التطورات السورية بشكل عام.

ولعل تراجع الحديث عن "المناطق الآمنة" التي كان ترامب قد اقترحها، وأعتبر البنتاغون أن كلفتها عالية، ولا تحقق النتائج المرجوة منها، كما نشر القوات الاضافية، وحديث الاستراتيجيين العسكريين الأميركيين عن بدء معركة تحرير الرقة من داعش، وتشديدهم في تصريحات إعلامية مختلفة على عدم التعاون مع الروس، يعني أن الخطة التي وضعها البنتاغون قد أخذت بعين الاعتبار، الضغوط الداخلية الاعلامية، وضغوط المجمع الصناعي العسكري، وأطراف أخرى في "الدولة العميقة" الأميركية والتي تبني مكاسبها على تاريخ من العداء لروسيا ولا تستطيع أن تخرج منه.

يشير البعض الى أن "الدولة العميقة" الأميركية هي مجرد اختراع من اختراعات نظريات المؤامرة، ولكن الوقائع تشير الى أن هناك قوى فاعلة في النظام الأميركي تستطيع أن تؤثر على اتخاذ القرارات، ويُجمع النواب الأميركيون على تأثير المال واللوبيات على المؤسسات الأميركية كافة، وأن عمليات جمع التبرعات تستنزف الجهد الأكبر منهم خلال حملاتهم الانتخابية، إن لم يكن كله.

كما يشير العديد من الباحثين المرموقين في الولايات المتحدة، ومنهم على سبيل المثال الاكاديمي فرانسيس فوكوياما، على أن المؤسسات الأميركية فشلت في ايجاد نظام متوازن صالح للحياة، كما فشل النظام الأميركي في منع المصالح الخاصة من أن تتضارب، وسمح لمجموعات المصالح تلك بأن تمارس الفيتو على كل ما يضر بمصالحها.

أما آلية استعمال الفيتو، والتي كرّسها الواقع الأميركي، فتعني أن المجموعات النافذة -سواء تمت نسميتها دولة عميقة أو غير ذلك - تستطيع ان تضع فيتو على أي اجراء حكومي أو رسمي قد يضرّها، مما يجعل امكانية تحقيق الصالح العام صعبة جدًا، وبات النظام يعمل لصالح قوى المال والاعمال وليس لأجل الشعب أو المصلحة العامة ككل.

ويخطئ من يعتقد أن "الدولة العميقة" هي فقط وكالات الأمن والاستخبارات المركزية، بل هي مجموعة مختلطة من مجموعات حكومية وجماعات صناعية ومالية تحكم الولايات المتحدة الأميركية تحقيقًا لمصالحها بدون العودة أو الاهتمام بمصالح المحكومين كما هو معبر عنها في العملية السياسية الرسمية، كما يشير مايك لوفغرين، في كتابه الصادر عام 2017.

وعليه، فإذا كانت هذه "الدولة العميقة" - كما يصفها لوفغرين- تتركز بشكل أساسي في ؛ المجمع العسكري الصناعي، سيليكون فالي، وول ستريت، البنتاغون ووكالات الأمن القومي، فيكون مفهومًا ما تراجع ترامب وإدارته، عن التفاهم مع الروس بناءً على اعتراض البنتاغون والمجمع الصناعي العسكري. كما تشير الموازنة التي طرحتها إدارة الرئيس الأميركي الجديد والتي تتجلى في زيادة الانفاق العسكري وتضخم موازنة الدفاع مقابل اقتطاع تاريخي كبير لموازنة وزارة الخارجية ووكالة التنمية الأميركية Usaid، والمساعدات الاجتماعية في الداخل، أن ترامب يسترضي البنتاغون والمجمع الصناعي العسكري الذي سيحصل على أموال طائلة من موازنة الدفاع الأميركية.

وبالرغم من الطموحات الكبيرة التي أعلنها البنتاغون، لتزايد الوجود العسكري في كل من سوريا والعراق، والاعلان عن التوجه ال ارسال حوالى 1000 جندي اضافي الى القواعد الاميركية في الكويت ضمن استراتيجية محاربة داعش، إلا أن المسار الذي يتبعه ترامب، والوقائع الميدانية على الارض، تشير الى أن هذا التصعيد الميداني يهدف الى اكتساب أوراق اضافية في مسار الحل التفاوضي وإكتساب أوراق قوة تعطي الاميركيين قدرة على فرض رؤيتهم للحل في كل من سوريا والعراق، وليس بهدف تسعير الصراع للوصول الى المواجهة مع الروس في نهاية المطاف.

يشير الباحثون الى أن استراتيجية "التصعيد من أجل التهدئة"، هي استراتيجية لطالما استخدمها ترامب في مجال الأعمال، أي مواجهة الخصم بشكل صريح وعلني للحصول على اليد العليا في اي مفاوضات قبل التوصل إلى اتفاق.

إذًا، ترامب محكوم بصراع الأجنحة داخل الدولة العميقة، والحرب في سوريا استعرت بشكل كبير على محاور عدّة كانت مجمدة في وقت سابق، والطيران الاسرائيلي يقصف قاسيون لمساندة هجوم الارهابيين على دمشق، وغرفة الموك تحركت، والأميركيون يتوجهون لتحرير الرقة بمساعدة قوات سوريا الديمقراطية، فهل ستعطي استراتيجية ترامب ثمارها في الوصول الى اتفاق؟

الجواب بسيط؛ صعب الاتفاق والحل السوري مؤجل في ظل العداء الأميركي المتجذر ضد روسيا وايران.