يبدو قانون الانتخاب اليوم كطفلٍ ينتشي الكبار بالتفرّج عليه يذهب ويجيء يمينًا وشمالًا على أرجحوته الجميلة في الهواء الطلق. هو التوصيف الأكثر تماهيًا مع الحال الانتخابية وسط تضاربٍ شديد وتسريبات بالجملة.

لم يمت قانون جبران باسيل المختلط بعد، وكذا الأمر بالنسبة الى النسبية الكاملة التي عادت لتنتعش في الدُور السياسية فجأة، ومعها الحديث عن رفض رئيس الجمهورية وعدم استساغته مثل هذا الطرح رغم أنه الصيغة المدفوعة من حليفه الشيعي حزب الله.

إحدى أكثر الصيغ غبنًا

في منطق الأمور، وفي حال التسليم بتقدُّم النسبية الكاملة على أساس لبنان دائرة واحدة على ما عداها من الطروح الانتخابية، لا يمكن رمي الكرة في ملعب رئيس الجمهورية والمضي في “مضغ” العلكة نفسها، خصوصًا أن الرئيس العماد هو أوّل من نادى بالنسبية ولمّا يزل. حقيقة لا تنفي واقع أن النسبية الكاملة قد تكون إحدى أكثر الصيغ غبنًا للمسيحيين بنوع خاص وقد تتجلى مفاعيلها على المدى الطويل في بلوراتٍ جديدة ديموغرافية وجغرافية تضرب التمثيل المسيحي أولًا عرض الحائط، ولكنها في المقابل تنصف الوجوه الجديدة وتحرص على انقلابٍ طبيعي في الدم التشريعي داخل البرلمان.

ترويج باطل...

يحرص كثيرون من المواكبين والمتابعين اليوم على الترويج لفرضية انتصار طرح النسبية الكاملة على باقي الصيغ، على أن يكون موعد ميلاد القانون الجديد منتصف نيسان كحدٍّ أقصى، وهو ما بات متفقًا عليه بين مختلف الكتل. علمًا أن النسبية الكاملة مطلبُ حزب الله في الأساس بدعمٍ خفيٍّ من الرئيس نبيه بري، كما أن تلك النسبية لم تغِب عن لسان الثنائية المسيحية ولكنها لم تكن تنادي يومًا بها كاملةً على أساس دائرة واحدة، مع جلاء ميلها الى المختلط الذي يحفظ حقوق الجميع وفق معادلة “وحدة المعيار”. ومع ذلك، يبدو أن أمام هذه الصيغة عقباتٍ جمّة وهو ما يستدعي إعادة درسها بدقةٍ وحذر مع جملة استيضاحات لا بدّ من أن تُقدَّم لمختلف القوى التي تشكّك في إمكانية جدواها.

لا خبز لها

هذا الجوّ العام السائد الذي يمنح أصحاب الأقلام الصحافية والأفواه المحللة مادةً ينطلقون منها لإشهار انتصار النسبية والتهليل لها وبدء تركيب الصيغ واحتساب معادلة الفوز والخسارة على أساسها، تناقضها معلوماتٌ شبه رسمية وموثّقة لـ”صدى البلد” مفادُها أن النسبية لا خبز لها في قصر بعبدا ولا حتى في السراي الحكومي، وجلّ ما يتحدّث عنه الجميع من بشائر مع ربطها بموعدٍ حاسم في نيسان إنما يصبّ في خانة قانونٍ مختلط سيبصر النور قريبًا وسينهل من صيغة باسيل الكثير من المعطيات والبنود والحسابات، على أن يسير الجميع به بالتوافق والتراضي لكن شرط أن يكون قائمًا على “وحدة المعيار”. بمعنى آخر، إذا كان النائب وليد جنبلاط سيطالب بأن يكون الشوف وعاليه دائرة واحدة، فستكون كسروان وجبيل دائرة واحدة. أما أي حديثٍ عن نسبية كاملة فتنظر اليها الثنائية المسيحية بعين الريبة، إذ إن النسبية الكاملة ليست الصيغة الأفضل تمثيلًا في بلد معروفة تقسيماته ديموغرافيًا وسياسيًا. وعدا ذلك، يبقى القانون الأرثوذكسي الأفضل في هذا المجال أقله بالنسبة الى المكوّن المسيحي، ولكن ما لا يختلف عليه اثنان أنّ أيّ صيغة ستُطرَح ستجد من “يطيحها” أو يعترض عليها في أفضل الأحوال تحت ذريعة “الغبن”، وهي الحال الجنبلاطية مع النسبية والحال المسيحية مع “الأكثري”.

تمديدٌ... لا محال!

أمام هذا الضياع واللاحسم، وفي ظلّ اطّراد الحديث عن اقتراب موعد الحسم خصوصًا أن رئيس الجمهورية رفض للمرة الثانية التوقيع على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، يبقى الأكيد بغضّ النظر عن موعد استصدار القانون العتيد أن تمديدًا تقنيًا سيفرض نفسه لا محال وهو ما سبق لوزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق وأشار اليه بلا مهادنة بإعلانه أن الكادر البشري في الوزارة غير جاهز لإجراء الانتخابات إلا على أساس القانون الأكثري. وبالحديث عن هذا القانون يمكن رسميًا نعيُه وتشييعه ودفنه من دون أي تردُّد، وهو ما وشى به رئيس الجمهوريّة قولًا وفعلًا، وما عمل على تشييعه انطلاقًا من تمسُّكه بوعدٍ قطعه على اللبنانيين بعدم السماح بالسير في قانون قديمٍ لا يُنصِف أحدًا. وفي هذا المجال علمت “البلد” أن الضغوط الزمنية مقرونة بالضغوط الدولية بدأت تفعل فعلها في مختلف الدور السياسية وليست المختارة مستثناة من هذه الحلقة، وبالتالي هو ما يفسّر أي ليونةٍ سيبديها مختلف الأطراف في هذا المجال حرصًا على عدم تكريس أي “دعسة ناقصة” وسط سخطٍ شعبيٍّ من حكاية ضرائب السلسلة.

"يا طخّو يا كسرلو مخّو"

إذًا خلافًا لكل الارتقاءات المتحدثة عن انتصارٍ مرتقب للنسبية، لا تشي أوساط المسيحيين باستساغة هذه الصيغة المفاجئة على قاعدة “يا طخّو يا كسرلو مخّو”، مع إيثارها صيغة مختلطة يرتضي بها الجميع ولا تكون مستفزّة لأي طرفٍ من الأطراف ولا مفرّطة بحجم الأحزاب وتمثيلها لصالح الوجوه الجديدة المتفلّتة من أي انتماء أو التزام.