لفت الرئيس السابق لهيئة التفتيش القضائي القاضي ​أكرم بعاصيري​ الى "أنني هاأنذا في مدينتي الحبيبة صيدا رفيقة البحر والتاريخ العريق قلعة البطولة والعنفوان رمز الوفاء والانفتاح والمروءات، وأم الشهداء الذين سقطوا قافلة بعد قافلة دفاعا عن الوطن والعروبة والقيم العليا. ومن قوافلهم تلك الكوكبة من الرفاق القضاة الذين في الثامن من حزيران عام 1999 طيبوا بدمائهم الزكية تربة هذه الأرض وتربة العدالة يوم هووا على قوس المحكمة ورؤوسهم مرفوعة واقلامهم مغمسة بحبر الحق. وها أنذا اشعر بأنني مكرم بما انتم عليه من كرامة واصالة يا ابناء مدينتي وجوارها العزيز، ويا اهلي وبني قومي. قبل ان ادخل في المعترك العملي زدتموني بالشيم والشمم وبالطموح والتطلع الى العلى. وكنت كلما صادفتني عثرة في الطريق اتذكر انني من قوم لا تثنيهم الصعاب عن متابعة الدرب وتحقيق الرسالة".

وخلال احتفال تكريمي له أقيم في قاعة ثانوية رفيق الحريري في صيدا، اشار الى ان "بيني وبين القضاء عقودا وعهودا. اما العقود فخمسة ، ستة واربعون عاما ونيف افنيتها في خضم المسؤوليات القضائية. من مستشار لدى محكمة استنئاف لبنان الجنوبي الى رئيس لمحكمة استئناف النبطية فرئيس لمحكمة اسئتناف الجنوب ومنها الى رئاسة محكمة جنايات جبل لبنان وبعدها رئيسا اول لمحكمة استئناف لبنان الجنوبي حتى تبوأت في نهاية المطاف رئاسة هيئة التفتيش القضائي. وأما العهود التي قطعتها على نفسي من بدء ممارسة مهماتي القضائية فهي ألا اميز ولا انحاز ولا اتخاذل ولا اخشى سلطانا بغيا. وان اقدم الصالح العام على المنافع الخاصة وألا امل العطاء حتى وان كان المقابل شحيحا. وان تبقى الكف ناصعة كما علمنيه اهلي وان ارعى حرمات القضاء ومهاباته واحفظ الواح وصاياه وان اضم جهدي الى جهود العاملين في سبيل استقلاله فعلا لا قولا. وكم انا مطمئن الى ما فعلته لا لأنني قمت بواجبي تجاه القضاء وتجاه الناس فحسب بل لأنني اقدمه هدية لأولادي يفخرون بها. اجل. ان تكون قاضيا بكل ابعاد الكلمة واعماقها فهذا يعني انك تقدم لمن تحب ولمن رسمت لهم الدرب هدية اين منها المال وكل اغراءات الدنيا".

وأشار الى ان "دار في خلدي وراودني وانا اتهيأ لمغادرة قصر العدل حلم حلمناه على امتداد العمر القضائي وهو استقلال القضاء. يتحدثون عنه ولا يحققونه، يتغنون به ويطعنونه، يرفعونه شعارا ثم يعملون على اسقاطه. وتقولون لماذا لا يكون القاضي مستقلا حتى ولو لم يتحقق استقلال القضاء كمؤسسة؟ ما هو صحيح ولازم، استقلال المؤسسة واستقلال القاضي معا، وان اي خلل في احدهما يرتد سلبا على عمل القضاء. انني في هذه المناسبة احيي معالي وزير العدل البرفسور سليم جريصاتي واطلب منه بالحاح الصديق والرفيق في معركة الاستقلال القضائي ألا يوفر جهدا، بالتعاون مع مجلس القضاء الأعلى وسائر المسؤولين في سبيل اصدار التشريعات وسد كل الثغرات التي لا تزال تمنع تحقيق الاستقلال المنشود".

وأوضح انه "فور إحالتي على التقاعد، سألني صديق عزيز، عليم بأحوال القضاء، كيف اقوم وضع قضائنا من خلال تجربتي كرئيس لهيئة التفتيش القضائي مدة تجاوزت السنوات الست. عن هذا السؤال اجيب صديقي وابوح امامكم بكل موضوعية وشفافية ان القضاء اللبناني لا يزال بخير رغم شوائب تعتريه ورغم حالات خاصة غير مطمئنة تشكل الشواذ لا القاعدة. اجل، لا يزال القضاء يحتاج الى عمل كثير ودؤوب وطويل النفس حتى يصبح بأفضل الأحوال. لقد قمنا بالواجب في حينه وتصدينا لحالات فساد نادرة جدا، واتخذنا الموقف المناسب. وعندما تبين لنا ان من اسباب التأخر في اصدار الأحكام تضاؤل نشاط البعض وتراخيهم عن القيام بالواجب تصدينا للمشكلة واحلنا عددا وفيرا من الزملاء الى المجلس التأديبي الذي اصدر بحقهم العقوبات الملائمة واثر ذلك تحسنت وتيرة العمل القضائي. ان المسؤولين العدليين وانتم في طليعتهم يا معالي الوزير، وان مجلس القضاء الأعلى الذي كان لي شرف المشاركة في مهامه الجلى، وان هيئة التفتيش القضائي. انكم جميعا مدعوون الى متابعة السهر بل متابعة اليقظة حتى تضمحل الشوائب وينتظم العمل القضائي بما يرضي الضمير ويحظى بثقة الناس".