هل ما كشفه موقع "ديبكا" الإسرائيلي عن مخطط "داعش" للسيطرة على مدينتي طرابلس وصيدا في ​لبنان​ قنبلة حرب نفسية ضمن مشروع الحرب الباردة التي تشنّها ​اسرائيل​؟ أم إنّها فعلاً وقائع ثابتة منقولة عن الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية كما ذكر الموقع؟

يبدو أنّ الإحتمالين واردان.

يفشل عناصر داعش في السيطرة على مواقعهم في سوريا والعراق. من المستحيل على الفارين التوجه نحو شرق سوريا أي "دير الزُّور"، وغرب العراق أي "الأنبار" للصعوبة الميدانية. أَمرهم زعيمهم "ابو بكر البغدادي" في حال هُزِموا في "الرقّة " أو في "الموصل" بالتوجه غرباً نحو شمال لبنان والانتشار عبر التنقل من ميناء طرابلس بحراً إلى ميناء صيدا والتمركز في المدينتين.

يعزو "البغدادي" نجاح هذه الخطة إلى عوامل عدة؛ منها وجود بيئة حاضنة في المنطقتين، فضلاً عن وجود خلايا نائمة لداعش في مناطق لبنانية منها المخيمات الفلسطينية القريبة من صيدا.

ليس هذا حلماً جديداً لداعش يكشفه العدو من شدّة "حرصه" على لبنان.

بتاريخ 20-12-2011 أطلق وزير الدفاع السابق فايز غصن تصريحاً خطيراً، عن توافر معلومات مؤكدة لديه أنّ عمليات تهريب لأسلحة ولعناصر إرهابية تنتمي الى تنظيم "القاعدة "، تتمّ عبر بعض المعابر في لبنان، وبالأخصّ من وإلى عرسال تحت حجّة لاجئين وناشطين سوريين.

جاء هذا التصريح بعد شهر من تاريخ تقديم مندوب سوريا الدائم في الأمم المتحدة بشّار الجعفري، وثيقة إلى مجلس الأمن تضمنت اتهاماً للبنان بالسماح بتهريب أسلحة ومقاتلين إلى سوريا.

اعترض واستنكر الكثيرون تصريحات الوزير ووضعوها في خانة الكيدية السياسية والاستهداف الطائفي.

في حزيران 2013 استشهد ضابط وعنصران من الجيش اللبناني وجُرح آخرون على حاجز للجيش في عبرا. فاندلعت معركتها الشهيرة ضد مجموعة أحمد الأسير المسلحة.

في آب 2014 وإثر توقيف الجيش اللبناني لقائد "لواء فجر الإسلام" الذي يبايع "داعش"، هاجم ارهابيون ينتمون إلى "النصرة" و"داعش" وغيرهم من المجموعات الإرهابية فصيلة درك عرسال، وقاتلوا الجيش بمعركة دامية وخطفوا عسكريين لبنانيين.

في 19 كانون الثاني 2015 اغتالت اسرائيل عميد الأسرى المحررين سمير القنطار ورفاقه في غارة على موقعه بسوريا.

في 10 كانون الثاني 2016، فجّر انتحاريان نفسيهما في مقهيين بجبل محسن. وتبنّت جبهة النصرة العملية وأعلنت ثأرها "لأهل السنة".

في 13 أيار 2016 اغتيل أحد ابرز القياديين في حزب الله مصطفى بدر الدين.

استمرت العمليات الباسلة للجيش اللبناني ضد الإرهابيين في جرود السلسلة الشرقية، كما المداهمات الأمنية لعدد من مخيمات اللاجئين ولبعض المناطق اللبنانية والتي أسفرت عن إلقاء القبض على العديد من المنتمين الى تنظيمات ارهابية. وكذلك أيضاً استطاعت القوى الأمنية من كشف شبكات ارهابية وإلقاء القبض على أفرادها.

واستمر حزب الله في استهداف تحركات الإرهابيين في جرود سلسلة جبال لبنان الشرقية.

في 12 حزيران 2016 استهدف بنك لبنان والمهجر بتفجير في وسط بيروت في الحمرا قيل انه هزّ أمن بيروت.

في 27 حزيران 2016 بكت بلدة القاع البقاعية خمسة من أبنائها استشهدوا وأكثر من خمسة عشر شخصا أصيبوا بجروح إثر أربعة تفجيرات إرهابية انتحارية.

في 21 كانون الثاني 2017 تم توقيف انتحاري في مقهى الكوستا بالحمرا وجرى تفكيك حزامه الناسف.

في شباط 2017 اندلعت معارك في مخيم عين الحلوة.

وقد صرّح مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم صراحة، أنّ عناصر لداعش يقطنون المخيم.

أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري أن هنالك تخوفا من مخطط يهدف الى قطع الجنوب عن بيروت لمحاصرة المقاومة.

ماذا نفهم ممّا تقدّم؟

أوّلاً: إنّ مليوني نازح سوري لجأوا إلى لبنان؛ يوجد فيما بينهم عناصر وشبكات لتنظيم "داعش" وأخواته.

ثانياً: إنّ المخيمات الفلسطينية تضمّ فيما بينها عناصر وشبكات لتنظيمات إرهابية تتربّص بالمخيمات وجوارها.

ثالثاً: إنّ البلدات الحدودية اللبنانية مع سوريا هي بخطر تسلّل مسلحين إرهابيين منها وإليها.

رابعاً: إنّ وجهة عناصر داعش بعد انهزامهم في معقلهم في "الرقة" السورية هي غرباً باتجاه شمال لبنان.

خامسا: في وقت تعلن فيه غالبيّة دول العالم محاربتها لداعش؛ اسرائيل تشنّ غارات على حزب الله.

سادسا: يتزامن تهويل وتهديد اسرائيل بالحرب على حزب الله وعلى الدولة اللبنانية مع تصاعد الحديث عن عقوبات دولية على الحزب خصوصاً من أميركا ومع وضع الحزب على لوائح إرهاب عربية.

سابعاً: في ظل عدم جرأة العدو على شن حرب عسكرية على لبنان في هذه الحقبة؛ يلجأ إلى أذرعته الإرهابيّة لزعزعة الاستقرار من جهة والتهويل النفسي بها من جهة أخرى.

ثامناً: عقب تعيين العماد جوزف عون قائداً للجيش اللبناني وهو المعروف بشراسة قتاله للعدو الاسرائيلي وللإرهاب في جرود عرسال. تعمَد اسرائيل بوصف الجيش اللبناني بالضعيف والهشّ لضرب المعنويات في صفوف اللبنانيين ولشد عزيمة المسلحين الإرهابيين لا سيما أن تصريحها عن الجيش اللبناني في "ديبكا" تزامن مع وصفها حزب الله بالضعيف وعزو ذلك للخلاف حوله مع "المسيحيين" كما ذكر الموقع.

تاسعاً: بعد صراحة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالوقوف الى جانب حزب الله، والتأكيد على ان سلاحه ضروري بالتزامن مع الجيش، تسلّحت اسرائيل بهذه الذريعة للقول بأن كل لبنان بات مستهدفا لانه صار تحت وصاية حزب الله. فلا بد انها ستسهّل تمرير إرهابيين عبر المناطق التي تستطيع السيطرة عليها او مراقبتها.

واضح أن داعش بعد الرقة والموصل، سيشد رحاله صوب شمال لبنان من جهة، و صوب بقاعه من جهة أخرى.

لكن هل ينجح في السيطرة على مناطق لبنانية؟

ليست الحال في لبنان كما يصورها العدو الاسرائيلي؛ فالرياح تجري هنا كما لا تشتهي سفنه في البحر وكما لا تشتهي آلياته وارهابيوه في البرّ. فالجيش اللبناني مؤسّسة وطنية متماسكة بقيادة حكيمة جريئة؛ المقاومة أقوى من ذي قبل عتاداً وعتيداً وخبرة ؛ القوى الأمنية في المرصاد. أمّا الحقيقة التي يعرفها العدوّان جيدا الاسرائيلي والإرهابي وإن كانا يتجاهلانها هي أنّ البيئة اللبنانية ليست حاضنة، ولئن كانت موبوءة.