في القواعد العامة المعمول بها في الحكم والسياسة يتصدى راس الدولة للملفات العظمى التي تهم دولته لإيجاد الحلول التي تناسب مصالح الدولة وامن سكانهاورفاتهم،وابعد من الدولة يتلاقى قادة الدول التي يجمعها هم او مصلحة او هدف مشترك في اجتماع طارئ او في إطار مؤسسة ناظمة من اجل ان يقدموا للدول التي يمثلونها حلولا لملفات وقضايا تعنيهاوهنا أرسى فيالمصطلح السياسي مفهوم القمة او الاجتماع في القمم ويعني به لقاء رؤوساء الدول للبحث عن حلول ناجعة لمشاكل تواجههم ووضع استراتيجيات مناسبة لها.وعلى هذا النحو قامت قمةالأوربيةوالقمة الأطلسيةوالقمة مجموعات ال 8 وقمة مجموعةال 20 الخ.... وإقليميا عرف العرب ما اسمي القمة العربية والتي تحولت الى دورية سنوية وصل رقم انعقادها في هذا العام الى الرقم 28 وللمفارقة او للعبرة ان العرب اختاروا البحر الميت حيث النقطة الأكثر انخفاضا في الأرض عن مستوى سطح البحر مكانا لقمتهم فماذا يمكن للعرب ان يقدموا في هذه القمة وهل سيفعلون؟
قبل ان نتوقف عند ما سيقدمهم العرب في قمتهم على الميت لابد من التذكير بان هناك شروط لا بد من استيفاؤها حتى نتوخى من اجتماع الحكام خيرا او مصلحة ، و اهم هذه الشروط : امتلاك الاستقلال و حرية القرار ، امتلاك الموضوعية و سلامة البصر و البصيرة، امتلاك الارادة للفعل خدمة للامة و للصالح العام ، امتلاك القناعة بجدوى العمل المشترك ، و أخيرا امتلاك القدرات المادية لتنفيذ ما تقرر مع توفير سبل و اعتماد الية تنفيذية ملائمة تقود الى نتيجة يعول عليها ، و في هذه الشروط كليا او جزئيا تكمن المشكلة ، و يبدو الواقع العربي المترهل و المتلاشي الى الحد الذي لا يبشر بخير وما يحمل الاخرون الى موقع لا يكترث فيه بالقمة و لا بقراراتها احد .
فمن حيث الاستقلال نجد ان القاعدة الحاكمة لمعظم الدول العربية المنضوية في الجامعة ، هي قاعدة التبعية للأجنبي و لا تجد دولة الا ما ندر تملك قرارها ، لا بل من المألوف عند الطامعين بالسلطة ان يذهبوا و يرشوا الأميركي او سواه من اجل تنصيبهم على عروش بلدانهم ، و هنا تبدأ العلة التي منها تتفرع المصائب الأخرى فتطيح بالموضوعية و بجدوى العمل المشترك و تصل الى هدر المال العام ، و يتحول الحكام من قادة في دولهم الى رؤوساء حرس للمصالح الغربية في بلدانهم و المنطقة و كيف لنا ان ننتظر من حارس مصالح الأجنبي ان يقدم خيرا لشعبه و لامته؟
اما في القرارات و تنفيذها فقد اعتاد العالم كله على مأساة تتمثل بالقول بان "العرب يقولون و لا يفعلون" لان الفعل رهن بقوة ارادة لا يملكونها و بقرار من الأجنبي لا يأتي ، و لهذا فان ادراج جامعة الدول العربية حفلت بالأكوام من الورق الذي كتبت فيه قراراتهم و استمتعت بها الجرذان و الفئران في مستودعات الجامعة ، اللهم الا اذا كان القرار املي عليهم خدمة لمصلحة اجنبية فانه يكون نافذا في الساعة التي يتخذ فيها كما حصل يوم قررت الجامعة تدمير ليبيا و تكليف الأمم المتحدة و عبرها تكليف الحلف الأطلسي بعملية التدمير ، آوكما حصل يوم مررت الجامعة قرار تقسيم السودان و تشريع احتلال العراق بيد أميركية او يوم جمدت مقعد سورية العضو المؤسس في الجامعة و الذي سبقت اليه 15 عضوا من اصل 22 و كان اللاحق في موقع من الوقاحة جعله يخرج المؤسس السابق .
واليوم يزحف"حكام العرب" الى البحر الميت على حدود فلسطين المحتلة، في مشهد يثير الريبة، حيث ان العرب كما يبدو امنون في الجوار الإسرائيلي، ملتزمون الاستجابة للإملاءوالرغبة الإسرائيلية في ادانة المقاومة التي حررت ارضا لبنانية وطردت العدو الإسرائيلي منه والمعول عليها لتحرير ما تبقى من ارض محتلة، كما وحماية حقوق لبنان النفطية التي لولا خشية إسرائيل من نار المقاومة لكانت أطاحت بها في المنطقة الاقتصادية اللبنانية واقتطعت منها ما تشاء ومنعت لبنان من استثمارالباقي.
ان موضوع المقاومة و التنكر لها يكاد يكون الموضوع الوحيد الذي يثير اهتمام الخارج بالقمة العربية الى الحد الذي يمكننا معه القول ان المقاومة هي وحدها من يجعل القمة العربية خبرا في زاوية من زوايا الاعلام العالمي لان في محاربة المقاومة و العدوان عليها بوصفها بالإرهاب استجابة و تماهي مع المصالح الأميركية و الإسرائيلية و كل ما يعني اميركا و إسرائيل من هذه القمة امران : الأول سكوت عن تهويد إسرائيل للقدس و تشريع المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية و الثاني ادانة المقاومة و التنكر لها و محاربتها بعد وصفها بالإرهاب لان المقاومة هي الخطر الوحيد الذي تستشعرها إسرائيل على اغتصابها للحقوق العربية و قد أعلنت هذا صراحة في كل مواقفها و دراستها .
ولهذا فانوظيفة قمة الميت تنحصر اميركيا وإسرائيليا بهذاالامر، اما المصالح العربية القومية والوطنية وتحت أي عنوان وباب بما فيها حق الشعب الفلسطيني بأرضهوالعودة اليها، او حق الانسان العربي بالأمنوالرفاه الاجتماعي او حق الامة العربية بان تتبوأ المركز الاستراتيجي الذي تؤهلها له جغرافتيهاالسياسيةكل هذا ليس موجودا في قاموس قمة الميت التي تجمع تحت قبة قاعتها من أنفق امواله على القتل والفتن وتدمير الامة العربية من ليبيا الى العراق وسورية واليمن والبحرين.
اذ لوكان عرب قمة الميت يسعون بحق لمصلحة الامة العربية لكانوا سارعوا لوقف التدمير المنهج للدول التي العربية بأيديهموأموالهم وقرار أجنبيوحقد عربي، كما تفعل السعودية في اليمنوسورية على سبيل المثال،ولكانوا اتجهوا الى مصادقة من يعمللأجل لفلسطين كإيرانوانتهوا عنمناصبتهاالعداء ولكانوا حزمو امرهم من اجل مواجهة إسرائيل وليس التطبيع معها ومساعدتها على هضم ما اغتصبت من حقوق عربية ولكن ليسوا في هذا الوارد لأنهم حراس مصالح الغرب وليسوا رعاة الصالح العربي.
ومع هذا المنظر الكئيب والسوداوي تبقى ومضات من نوروامل وقوة في المشهد العربي القاتم الذي تشكل قمة الميت شاهدا عليه، نور منبعث من بندقية المقاومة في لبنان وفلسطين ومن صرخةوسكين الانتفاضة في القدس وفلسطين، ومن التزام عربي شعبي ونخبوي بالقضيةالفلسطينيةوبالمقاومة طريقا رئيسيا للتحرير.
اما في قمة الدول قمة الميت الان فلابد لنا من التنويه بالاستثناء المتشكل بالموقف اللبناني وبعض دولعربيه أخرى لا يصل تعدادها الى أصابيع اليد الواحدة،حيث تشكل حالة استثنائية "تخرق الاجماع العربي على الخطأ"و ترفض الوقوف ضد المقاومة لا بل تتمسك بها كما عبر الرئيس ميشال عون و استبق قرارات قمة الميت، و ترفض التطبيع مع إسرائيل و ترفض التنازل عن فلسطين و ترفض سياسة الارتهان والانبطاح للخارجواستسهال التنازل عن الحقوق العربية بعد الارتماء في الحضن الإسرائيلي...فهل يتوسع الاستثناء هذا ليصبح يوما هو القاعدة ام يستمر ما شكت منه بالأمس مؤسسة القدس الدولية في تقريرها السنوي يستمر التراجع العربي عن دعم القضية الفلسطينيةواللهاث خلف التطبيع مع إسرائيل؟ ...انها مسؤولية الشعوب العربية فهل تكون منها مبادرة لتحمل المسؤولية هذه؟