منذ امتنعت أميركا عن الاشتراك الفعلي والمؤثر في اجتماعات استأناوبعدها اجتماعات جنيف كان واضحا ان أحجامها مرده إلى شعور واضح لديها بحالة العجزنتيجة انتصارات الجيش العربي السوري في الأشهر الأخيرة والتي تكللت بالانتصار الاستراتيجي في حلب والذي أثمر مباشرة هيكلية أستانا التي صححت وجهة العملية السياسية في اتجاه مغاير لما ارادتهأميركاومعها معسكر العدوان على سورية.وتغيرت الأولوياتليكون الإرهابومواجهته هي الأولوية المطلقة لكل بحث في حين كان الإرهاب ولا يزال أداة العدوان الرئيسية التي يعول عليها نعسكر العدوان.

لقد كانت أميركا بحاجة إلى صدمة تحدثها في الميدان السوري لتعيد التوزان اليه لمصلحتها وتضع حداللأرجحية التي بلغتها سورية وحلفاؤها خلال الأشهر الستة الأخيرة،ولكن أميركا مع ترامب بدتوكأنها تنقلب على نفسها وتغير أهدافهاالتي فجرت العدوان على سورية لتحقيقها منذ ست سنوات، حيث ان ترامب عاب على إدارة أوباما أنشائهاوتعهدها للمنظمات الإرهابية وتعهد بمحاربةالإرهاب متراجعا عما كان أوباما يلتزم به من عداء للحكومة السورية وعمل على أسقاطهاليسقط سورية في قبضته.وهنا كان تنافض بين ترامب المرشح ووعوده وبين الإدارة الأميركية بالمتجسدة بالمؤسسات والمعبر عنها بالدولة العميقة.تناقض انقلب إلى صراع خرج إلى العلن مع تحركترامب تجاه سورية الحركة التي كادت ان تصل على حد ما تناقله الأعلامإلى أقدامترامب على الاتصال الهاتفي بالرئيس الأسد،بعد ان أكد على أولوية محاربة الإرهاب وليس للتعرضللنظام الحكم الذي يقوده الرئيس الأسد.

كانت مواقف ترامب صادمة للدولة الأميركية العميقة، صدمة لا تقل عما أحدثته في صفوف اتباعها وأدواتها من الإقليم إلىأوروبا خاصة إسرائيل وتركيا والسعودية وقطر وفرنسا وبريطانيا الدول منظومةالعداء الشديد لسورية وشعبها.ولذلك تلاقت مواقف هذه الدول مع اتجاهات الدولة العميقة الأميركية فكان اختلاق مسرحية الكيماوي في إدلب من اجل وضع حد للانقلابالترامبي فيسورية، مسرحية تقود إلى عهد متطور من العدوان العسكري المباشر بيد أميركية، عدوان يغير الاتجاه ويضع حدا لاندفاعةسورية في الميدانومنعها منتحقيق إنجازاتجديدة كما والضغط عليها لحملها على التنازل في السياسة.

و من اجل ذلك عرضت السعودية -كما يردد الأعلام الأميركي - على ترامب تحمل كامل نفقات أي عمل عسكري يقوم به ضد سورية ، و انخرطت المخابرات الإسرائيلية و التركية و السعودية ومعها القطرية في خطة وضعتها المخابرات البريطانية و بأشراف مباشر من المخابرات الأميركية ، عملوا جميعا في خطة إنتاج المسرحية التي تختلق الذريعة للعدوان الأميركي على سورية ، و كان الأعلامالممول خليجيا حاضرا للتسويق .و يمكن القول بان الخطة تلك اقتضت ان يغرى ترامب بالصفقة التي ينال بها صفة الرئيس القوي القادر على اتخاذ الترار العسكري مقابل تراجعه عن وعوده الانتخابية و الاستجابةللدولة العميقة لمواصلة سياسة العدوان على سورية و أبرمت الصفقة و انقلب ترامب على نفسه و كان العدوان على مطار الشعيرات العسكري قرب حمص فما الذي تحقق منه و ما المرتقب من التداعيات ؟

ان تقييم أي عمل عسكري يرتكز كما هو معروف على امرين يتقدم أحدهما على الأخر. الأول النجاح في تنفيذ العمل ميدانيا،والثاني وهو الأهم تحقيق العمل للأهداف المتوخاة منه.وهنا وبكل موضوعية نقول ان العدوان الصاروخي الأميركي فشل في تحقيق أهدافه ويمكن وصفه بالجريمة الخائبة أو العملية العسكرية الفاشلة للأسباب التالية:

من الناحية الميدانية نفذ العدوان بعمل صاروخي استهدف موقعا عسكريا ونحن نعلم ان القوة النارية التي يلجا اليها الجيش يكون هدفها أسناد قوى أي وظيفة عملانية أو تدمير قوى ومصادر قدرات عسكرية أي وظيفة استراتيجية.وفي هذاالإطار نجد ان ليس لأميركا قوى برية تعمل في الميدان السوري قريبا من مطار الشعيرات لإسنادها اللهم ألاإذا كان الأسنادإسنادابعيدا للقوى الإرهابية التي ما ان تحركت حتى تم احتوائها،أما استراتيجيا فيكفي ان نلفت إلى ان الطائرات نجت والمطار أعيد تشغيله في غضون 24 ساعة حتى نقول بفشل الضربة -العدوان.

أما من ناحية النتائج فان المواقف الذي اتخذتها سورية من تأكيد على مواصلة الحرب على الإرهاب والمضي قدما في العمل على مسارات الميدان بفرعيها الناري والتصالحي ومسارات السياسة مع التمسك بكل قوة بالثوابت السورية الوطنيةان هذه المواقف تثبتبان العدوان لم يحقق أهدافه.أما عن ترامبوفوزه في لقب الرئيس القوي فأننا نترك للمتابع الاطلاع على ما يردده الأعلام الأميركي ليستنتج بان ترامب حتى في هذا لم يحقق ما أراد لا بل خسر ما كان يتمتع به من قليل من مصداقية وثبات علىالمواقف.

ونأتي الأنإلى الخسائر وما سيترتبعلى العدوان من نتائج بعدالتوصيف العسكري للعملية الأميركية فنجد:

من حيث طبيعة العدوان: لا يمكن ان ينازع رجل قانون في ان القصف الأميركي للمطار السوري يمثل عدوانا مكتمل الأوصاف علىدولة ذات سيادة فهو نفذ دون تفويض من الأمم المتحدة ودون تحقق حالة الدفاع المشروع عن النفس.وان ما استند اليه من ذريعة مختلقة أنماهوة عذر واهيأضافتبهأميركاإلى سجل التلفيقات الذي درجتعليها عدوانا جديدا يذكر بأكذوبةأسلحة الدمار الشامل في العراق.

أما في القصد العميق فيبدو ان العدوان تفذ ليكون فعلا اختباريا وجس نبض تترتب على ردود الفعل عليه القرارات الأميركيةالمستقبلية فان كانت النتائج وردود الفعل مناسبة للدولة العميقة العدوانية فأنها ستتخذ من العدوان منطلقا لأعمالعدوانية أوسع وابعد مدىوألا فأنها تكتفي بما فعلت وتدعي انه كان عملا محدودا لن يكرر. وهنا تكمن خشية عملاء وأدوات أميركا ومنهم تركيا التي أعلنت ان القصف سيكون هامشيا ان لم يستتبع بإجراءات أخرى.

ومن حيث التداعيات والخسائر العسكرية: لم يلحق العدوان في الجانب السوري ومعسكر الدفاع عن سورية خسائر بالحجم المطوب ليكونمؤثرا على القدرات العسكرية المستعملة في العمليات العسكرية ضد الإرهاب و لن يوقف الاندفاعة السورية في الميدان و في المقابل خسرت أميركاالكثير ميدانيا و يكفي ان نتوقف عند القرار الروسي بوقف العمل بمذكرة التفاهم لمنع الصدام الجوي بين الطيران والروسي والأميركي،ثم قرار روسيابتعزيز منظومة الدفاع الجوي السوري ومنظومة الحربالإلكترونيةو ما يستتبعه من تقييد لحركة الطيران الأميركي في سورية.

ستتوقف أميركا كثيرا عند الأداء الميداني السوري –الروسيوهنا نلفتإلى سؤال روسيا عن الصواريخ ال 36 التي انطلقت من البوارج الأميركية ولم تصلإلىالهدف،وسيكون أثرصورة الطائرة الحربية السورية التي أقلعت من مطار الشعيرات في اليوم التالي للعدوان سيكونأثرهاالنفسي اقوى من مجموع الصواريخ 59 التي أطلقت عدوانا على سورية.

أما سياسيا فقد كان العدوان مناسبة ملائمة لروسيا في مجلس الأمن ليعلن مندوبها صراحة ويسجل إعلانه في محاضر المجلي ان نظام الأحادي القطبي ولى وان العالم بات محكوما بنظام جديد قائم عل التعددية القطبية،وهو إعلان عملت أميركا ربع قرن حتى لا تسمع به فكان عدوانها على سورية مناسبة لإعلانهاوهنا يصح قولنا الذي أطلقناه في العام الأول للعدوان الكوني على سورية حيث ترقبنا ان يولد النظام العالمي الجديد من الرحم السوري.

وأخيرا وعلى صعيد التحالف فلن تكون أميركا مسرورة بمواقف بعض الدول الغربية ومنها المانيا وبلجيكا التي أعلنت انسحاب طائراتها من التحالف الدولي الأميركي في سورية والعراق وان المال العربي والمواقف الخسيسة لأنظمة عربية عميلة لن تعوض لأميركا خسائرها من الطبيعة العسكرية والمعنوية والاستراتيجية.

يبقى ان نشير إلى ان الضحية الرئيسية للعدوان الأميركي هي العملية السياسية بالفهم الأميركي والتي لن تكون إذا تمت العودة اليها بعد شهرين أوأكثر من التصعيد القادم كما تشتهي أميركاولذلك قد لا نرى استئناف قريب لها لان أميركالن تجد مبررا لها للعودة إلى جنيف طالما ان اليدان لم يتغير لصالحها.

لقد اختلقت الدولة العميقة في أميركا أكذوبة أوقعت بها ترامب و جعلته ينقلب على ذاته فخسرها و لم تربح الدولة العميقة ما أرادت و جاء العدوان بمثابة الجريمة الخائبة التي قد تفرض على أميركا مراجعة الموقف و أجراء تقدير جديد اذا أرادت تجنب مزيد من الخسائر ، أما الإمعان في سياسة العدوان و المكابرة و التوجه إلى التصعيد الميداني و تنفيذ ما بات يلمح اليه أعلام العدوان من سعي أميركي قريب لإقامة المنطقة الآمنة في درعا و الجولان بقيادة أميركية بريطانية إسرائيلية و إدارة اردنيه أو منطقة امنه في إدلب بقيادة أميركية وإدارة تركية مترافقا مع حظر جوي كما يروجون فانه أحلام ستتكسر على صخور معسكر الدفاع عن سورية و تحت اقدام الجيش العربي السوري و حلفائه . ويجب ان يقر الجميع ان العدوان أعطى نتائج عكسية ارتددت على أصحابه خسارات مؤكدة.