كما كان متوقعاً أثبتت معركة قانون الإنتخاب أنها أصعب من معركة رئاسة الجمهورية، لا بل الأصعب بين كل المعارك التي يمكن أن يخوضها الأفرقاء المسيحيون لتثبيت عودتهم الحقيقية الى اللعبة السياسية والمؤسسات الدستورية، ولإستعادة دورهم الحقيقي، على قاعدة المناصفة التي نصّ عليها الدستور، وانطلاقاً من مبدأ الشراكة الحقيقية التي يتأكد يوماً بعد يوم، أن كل ما قيل عنها عبر المنابر من قبل الآخرين، لم يكن بهدف التطبيق في يوم من الأيام، بل لإطلاق الشعارات ومغازلة الرأي العام لا أكثر ولا أقل.

وبما أن التيار الوطني الحر موجود اليوم في صلب السلطة، وعلى رأس الدولة، يتعرض خلال معركة قانون الإنتخاب لأعنف حملة سياسية على خلفية رفضه النسبية الكاملة، بعدما كان يطالب بإعتمادها لسنوات وسنوات يوم كان العماد ميشال عون رئيساً للتيار الوطني الحر ولتكتل "التغيير والإصلاح" لا للجمهورية اللبنانية.

وفي هذا السياق، لا يخجل التيار أبداً في مواجهة هذه الحملة التي تركّز على تبديل موقفه فيما خصّ القانون الإنتخابي الجديد، وتقول اوساط قيادية فيه، "نعم كنا من دعاة إعتماد النسبية في لبنان دائرة واحدة، يومها كان مشهد التحالفات مختلفاً تماماً عما هو عليه اليوم، وكان البلد غارقاً بين معسكري 8 و14 آذار، كثيرة هي الأمور التي تبدلت بين الأمس واليوم، لكن الخلفية التي قاربنا من خلالها ملف قانون الإنتخاب لم ولن تتغير أو تتبدل في لحظة ما. خلفية تصحيح التمثيل خصوصاً تمثيل المسيحيين في الندوة البرلمانية، لأننا لم نسمع يوماً منذ الطائف وحتى اليوم، أن السُنّة يشعرون بالغبن في تركيبة مجلس النواب، أو أن نواب الشيعة ينتخبون بغير أصوات الشيعة، كما أننا لم نقرأ تصريحاً واحداً لزعيم درزي، يطالب فيه بضرورة تحرير المقاعد الدرزية من الدوائر ذات الأكثرية المسيحية أو السُنية أو الشيعية".

وبما أن الهدف هو تصحيح التمثيل، وإعطاء المسيحيين حق إختيار أكبر عدد ممكن من نوابهم الـ64 بأصواتهم، وبما أن التحالفات تبدلت، وتبين أن هناك قوانين تؤمن صحة التمثيل المسيحي أكثر من النسبيّة، فهل المطلوب أن يبقى التيار ومن باب الخجل السياسي فقط على رأيه القائل بإعتماد النسبية الكاملة حتى لو كانت الأخيرة غير قادرة على إعطاء المسيحيين ما تعطيه القوانين الإنتخابية الأخرى؟.

أما الجواب، فهو جاهز لدى الأوساط القيادية في التيار، "بالتأكيد لا، والمسألة هنا ليست مسألة خجل أو مسألة خوف من الإنتقاد السياسي على خلفية تبديل الموقف، المسألة مسألة تصحيح التمثيل المسيحي ونقطة عالسطر، وإذا كان هناك من يعتقد بأنه قادر على إحراجنا بالحملة السياسية التي نتعرض لها على خلفية تخلينا راهناً عن النسبية لمصلحة إقتراحات القوانين التي قدمها رئيس التيّار الوطني الحر ووزير الخارجية وزير جبران باسيل، والتي نرى فيها تمثيلاً حقيقياً أفضل من ذلك الذي تفرزه النسبية، فليعد الى أرشيف السنوات الثلاث الأخيرة، وليتذكّر كيف عطّلنا علناً إنتخابات رئاسة الجمهورية لسنتين ونصف السنة وكيف حاول البعض تحميلنا مسؤولية الفراغ وتحمّلناها، ومستعدون اليوم لتحمّلها إذا حصل فراغ نيابي، وكيف أننا في نهاية المطاف حققنا الهدف، ورفعنا الفيتو الذي منع المسيحيين من إيصال من يمثلهم الى الرئاسة الأولى منذ الثمانينيات".

إذاً الهدف أهم من الشعارات، وتصحيح التمثيل المسيحي هو أهم بكثير مما يمكن أن يتعرض له التيار الوطني الحر من حملات، لذلك إقتضى التوضيح البرتقالي، ومن يريد مزيداً من الشرح فالتيار جاهز وليس في الأمر خجل.