في سلوكيات تنتمي إلى حقبة مرحلة الأحادية القطبية اندفعت أميركا وبذهنية شرطي العالم وحاكمه إلى العدوان الصاروخي على سورية وتحريك مجلس الأمن لمعاقبة سورية عل جريمة فبركها الغرب بقيادة أميركية على غرار الاختلاق الذي اصطنع ذريعة مزيفة أسميت سلاح الدمار الشامل ما قاد إلى غزو العراق واحتلاله ووضعه تحت الفصل السابع ليكون العوبة بيد أميركا تتحكم به وبمصير شعبه وثرواته.

ومن اجل مزيد من إظهار القوة وعرض العضلات والترهيب حركت أميركا أساطيلها البحرية وفيها المدمرات والغواصات الحاملة للرؤوس النووية باتجاه كورية الشمالية بعد ان كانت استبقت الفعل بعدوان صاروخي بالتوما هوك على مطار الشعيرات السوري العدوان الذي شاءت منه توجيه رسالة إضافية أيضا إلى كوريا الشمالية بان في البيت البيض الأن رجل يده على الزناد لا يعطي فرصا كتيره حتى يضغط ويلحق التهديد بأطلاق النار المدمرة.

و حتى تكتمل صورة المشهد الذي أرادت أميركا صنعه و تقديمه للعالم بما يفرض القبول بمقولة "أميركا قوية لا يجاريها في القوة احد" و ان على العالم ان ينصاع لها أعلنت الإدارة الأميركية عن جولة لوزير دفاعها إلى منطقة الشرق الأوسط ، يزور فيها كل من مصر و إسرائيل و السعودية و قطر و الأمارات و جيبوتي في مهمة معلنة أسميت الحرب على الإرهاب و في مهمة حقيقة مضمرة يعمل عليها هي تشكيل حلف عسكري شرق أوسطي بقيادة إسرائيلية فعلية ومصرية ظاهرية ، حلف مهمته إدخال إسرائيل أولا في منظومة الأمن الإقليمي المعلنة و المجاهر بها و توظيف هذه المنظومة بمواجهة ايران بشكل خاص و محور المقاومة بشكل عام .

أذن أميركا ترامب في عجلة من أمرها من اجل إعادة تشكيل المشهد الدولي بما يتيح لها العودة إلى قيادة العالم وأثبات وتثبيت مقولة أميركا هي الأقوى ولا ينازعها في القوة أحد وان لها الحق الحصري بقيادة العالم فهي الحاكم والقاضي والجلاد والشرطي ويتبعها من يخضع لقراراتها وإملاءاتها فيما تذهب اليه. فهل استطاعت أميركا ان تحقق ما ابتغت في عدوانها أو مناوراتها السياسية والعسكرية وتحضيراتها وخططها؟

من يتتبع ردات الفعل الدولية على السلوكيات العدوانية الأميركية الاستفزازية يجد ان النتائج اختلفت عن التوقعات الأميركية اختلافا بينا سيكون له الأثر العميق ليس في ضبط الجنون و الغطرسة الأميركية و يدفع العالم إلى نوع من التوازن الاستراتيجي يعطل أو يقيد إلى حد بعيد عنصر القوة الأميركية بما يحيلها من قوة القدرة على فرض ما تريد أميركا مهما كان جفاؤه مع الحق و القانون و الأخلاق ، إلى قوة يظهر عجزها عن تحقيق رغبات أصحابها و في هذا السياق تسجل ردود الفعل الهامة التي جاءت من القوى التي استهدفتهم أميركا بالعدوان و الاستفزاز .

فعلى الصعيد السوري كانت ردة الفعل من معسكر الدفاع عن سورية مزدوجة المسارات شملت ردا على الصعيد الميداني عبر عنه بيان حلفاء سورية وهو اللبيان الذي توعد أميركا بالرد الفعال والمؤثر على أي عدوان جديد ترتكبه، وهو وعيد ارفق بموقف روسي واضح أعلن ان سورية التي من حقها المشروع ان تواجه أي عدوان صاروخي عليها، باتت –أي سورية – تمتلك القدرة الميدانية النيء تمكنها من ممارسة الدفاع الفاعل ضد الصواريخ من نوع تماهوك أو ما يماثلها. موقف ارفق مباشرة ببيان الرئاسة السورية الواضح ضد العدوان والمتمسك بحقوق سورية في السيادة والقرار المستقل.

وحتى يكتمل الرد سوريا وبشكل شمولي كان اجتماع ثلاثي لوزراء خارجية روسيا وأيران وسورية في موسكو انتهى إلى التأكيد على وجوب التحقيق النزيه بجريمة خان شيخون التي ارتكبتها العصابات الإرهابية وتذرعت بها أميركا لتنفيذ عدوانها، وهو تحقيق ترفضه أميركا لأنه يكشف تلفيقها وجريمتها مع الإرهابيين، مطلب ارفق بالتشديد على رفض العدوان والاستعداد المشترك من الدول الثلاثة للرد عليه بما يؤكد ما جاء في بيان غرفة عمليات حفاء دمشق. ما يعني ان نتيجة العدوان جاءت عكس ما ارادته أميركا، وان الرعب الذي شاءت أميركا زرعه في قلوب معسكر الدفاع عن سورية، ارتد عليها غلا وتقييدا لعملياتها العدوانية ضد سورية وهنا نعتقد ان خسارة استراتيجية كبيرة لحقت بأميركا تمثلت بخسارة ورقة التهديد بالعدوان سواء عدوان باحتلال مباشر لسورية أو عدوان بضربات نارية تخدم الإرهابين. وهذه الخسارة جعلت زيارة وزير خارجية أميركا لروسيا تفشل في تسويق مشروع الحل الأميركي لسورية القائم على أغراء روسيا بمصالح في سورية مقابل إخراج حلفاء سورية المدافعين عن وحدتها وأسقاط الحكومة السورية بقيادة الرئيس الأسد واعتماد نظام الفدرالية التقسيمية. العرض الذي رفضته روسيا لا بل سخرت منه ولم تجد حاجة حتى لمناقشته مع حلفائها بل ردت عليه بشكل غير مباشر بالاجتماع الوزاري الثلاثي المذكور.

أما على صعيد كوريا الشمالية فقد كان الرد قويا تضمن تهديدا بتدمير أميركا دون رحمة أي انه جاء على قدر من الجدية و التأثير جعل أميركا تتراجع دون إبطاء عن عرض عضلاتها و ترتد خاسئة عن الشواطئ الكورية مبررة التراجع بعدم رغبتها بإشعال فتيل المواجهة النووية ، أما سبب تراجعها الحقيقي فهو علمها البقيني بان في كوريا الشمالية أيضا رجل يملك القوة النووية و القلب القوي و الشجاع بما يتيح له ان يرد ردا تدميرا على ست مدن أميركية كبرى على الساحل الغربي لأميركا و هو ان فعل سيسقط أميركا كلها و يفككها لذلك تراجعت أميركا و حصدت خسارة استراتيجية ثانية تضمنت فقدانها ورقة التهديد بالحرب على كوريا الشمالية.

ويبقى ان نتوقف عند المسعى الأميركي لتشكيل حلف ناتو أوسطي يجمع إسرائيل مع عرب أميركا لمواجهة إيران ومحور المقاومة وأننا لا نرى في هذا المسعى أي قيمة مضافة أو تغيير للمشهد من الناحية العسكرية لان الأطراف المرشحين للدخول في الحلف هم أصلا يجاهرون بالعداء للمقاومة وإيران ويستعملون الأن – باستثناء مصر – كل ما لديهم منن طاقات متاحة ضد محور المقاومة على الأرض السورية وفشلوا في تحقيق أهداف عدوانهم. ألا أننا نرى ان الجديد في هذا الحلف يتصل في إدخال إسرائيل وبشكل علني ولأول مرة في منظومة إقليمية مع العرب والانتقال بالعلاقة بين أطرافها من السر إلى العلن ليس أكثر ما يجعل إسرائيل تطمئن أكثر إلى سياستها القائمة اليوم على ابتلاع القدس وتصفية القضية الفلسطينية.

على ضوء ما تقدم نرى ان الاستفزاز الأميركي وسلوك الغطرسة والفرض بالقوة ارتد حتى الأن على أصحابه في رسم مشهد مغاير لما ارادته أميركا وبدل ان ترهب أميركا خصومها وأعداءها وتخيفهم أو ترعبهم حتى ينصاعوا لها ويسلكوا ما تريد وجدنا ان الفرقاء المستهدفين بالعدوان والاستفزاز مارسوا ردة الفعل المشروعة التي أدت إلى تقييد أميركا بشكل يؤكد ما ذهب اليه المندوب الروسي في مجلس الأمن لدى مخاطبته المندوبة الأميركية "ان زمن أحادية القطبية ولى".

ونضيف تلخيصا لكل ما ذكر ونقول ان العالم دخل فعلا مشهد محكوما بالتوازن وقائما على الردع الاستراتيجي المتبادل الذي يحرم أميركا من استعمال ما تملك من قوة ويحول دون سيطرتها على العالم وان لهذا الأمر ارتداده العام على الساحة الدولية وستجني سورية طلائع ثمار هذا الوضع الجديد الذي يختلف عن الحرب الباردة في الكثير من المضامين خاصة لجهة طبيعة مكونات الصراع وقدراتهم والمشاركين في خريطة الردع الاستراتيجي الدولي الفعال.