شكل مرحلة الفراغ الرئاسي مرحلة قوية في يد كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وكذلك الوزير جبران باسيل، تمكنهما من تذكير القوى السياسية بأن لبنان لم يخرج من تلك الحقبة الا بعد أن وافقت معظم القوى السياسية على انتخاب عون رئيساً للبلاد، انطلاقاً من القرار الذي اعتمد يومذاك وممكن تطبيقه حالياً يتصرف باسيل كمفاوض عن رئيس الجمهورية من أجل الوصول الى قانون انتخابي يؤمن تمثيلاً مسيحياً افضل داخل مجلس النواب ويسقط سيطرة القوى السياسية الاخرى على باقي النواب المسيحيين ليحصل الثنائي المسيحي اي التيار والقوات اللبنانية على كتلة وازنة من النواب المسيحيين غير المنضوين الى اي قوى سياسية مناهضة او طائفية اخرى في البلاد.

ويدور كلام في المحيط القيادي للتيار الوطني الحر بأنّ القوى السياسية المعرقلة لولادة قانون جديد هي ذاتها ستوافق في الايام المقبلة لان القرارات التي يقدم عليها عون لن تكون عادية، والتحرك الشعبي للثنائي المسيحي لن يكون عادياً، اذ كما كانت بعض القوى سابقاً ترفض انتخاب عون رئيساً للجمهورية ثم سلمت بهذا الواقع بعد ان كانت تعتبره مشروعاً حربياً هي ذاتها اليوم ستوافق على قانون انتخاب يقبله التيار الوطني الحر.

وقد اعطى رئيس الجمهورية اشارتين واضحتين الى أنّه قادر أن يشل عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية اذا لم تسر الامور في اتجاه انجاز قانون جديد، اذ بعد طلبه من رئيس مجلس النواب نبيه بري تعليق عمل المجلس عملاً بالمادة 59، وضع في درجه ملف جدول الاعمال لجلسة الحكومة بما علّق ايضا اجتماعاتها، وان كانت «عزة نفس» الرئيس سعد الحريري تحول دون اقراره بأنّ رئيس الجمهورية شُل العمل الحكومي اسوة بحكومة الرئيس تمام سلام ، خصوصاً ان التطورات التي شهدتها البلاد هذا الاسبوع من احتجاجات مطلبية تتعدى اجتماع مجلس الامن المركزي الى ضرورة عقد جلسة حكومية لمناقشة جامعة للاسباب وابعاد هذه الفوضى التي سادت البلاد على مدى يومين.

اذا فلا يزال حتى حينه قانون الانتخاب في حلقة مفرغة والتطور الوحيد يكمن في تحرك الحريري انطلاقا من رفضه التمديد لمجلس النواب وفق خطوة قربت بينه وبين الوسط المسيحي الرافض لهذه الخيار، بحيث بدا ثمة محور مقابل الثنائي الشيعي، مسقطاً بذلك الحريري مرحلة الاتهامات من قبل التيار الوطني الحر في اتجاه تيار المستقبل، باعلانه انه الى جانب عون دائماً.

وفي ظل الازمة القائمة بين رئيس الجمهورية وباسيل من جهة، وبين الثنائي الشيعي المتمثل في امل وحزب الله، فقد خلقت ازمة قانون الانتخاب تموضعات سياسية جديدة على خلفية حراك الحريري، وهو امر قد يدفع بالثنائي الشيعي الى التمسك أكثر بضرورة تطبيق النسبية الكاملة.

وموازاة لذلك لا يزال باسيل وحيداً في المواجهة بهدف تأمين قانون للانتخابات ترجمة لتعهدات عون وفي الوقت ذاته يبقى رأس الحربة في المواجهة الهادفة الى تأمين تمثيل نيابي مسيحي افضل بعد ان ابتعدت عنه القوات اللبنانية، واضحى كل فريق يفاوض عن ذاته، بحيث اراح هذا الواقع الفريق المقابل له الذي يعمد الى استفراده وتطويقه بهدف افشاله واضعافه.

وامام هذا المشهد السياسي الجديد على خلفية حراك الحريري وموقفه يقول مقرّبون من حزب الله ان الحزب قال كلمته وبقي عليها، واكثر من يعلم في كيفية التزام امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بوعده هما عون وباسيل اذ عندما كان جنرال الرابية في اصعب الظروف استمر نصرالله في دعمه الرئاسي له، اي أن الحزب يبقى دائما على كلمته وهو ما يحصل حالياً فالرهان على ان التحديات الدولية والاقليمية والداخلية تضعف حزب الله وهي حسابات في غير مكانها لانّ هذا الملف الانتخابي لا يأخذ حيزا واسعاً من انشغالات قيادة الحزب وامينه العام حسن نصرالله الذي اضحى مرجعا اقليمياً، اذ هو اعطى تعليماته بتطبيق النسبية وهذا ما سيحصل وغير ذلك مضيعة للوقت.

فأي قانون غير الذي يرتاح اليه حزب الله لا يشهد النور ولو اقتضى الامر التمديد للمجلس النيابي او تحريك الشارع المؤيد للنسبية الكاملة انطلاقا من جماهير الثنائي الشيعي وغير قوى متضامنة مع الحزب، وذلك اذا ما كان الثنائي المسيحي يريد العودة الى لعبة الشارع والمواقف الطائفية.