عندما سمّى رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير ​جبران باسيل​ القوى المسيحية غير المنضوية بالثنائية (التيار والقوات) "بالفراطة"، كان يؤكد في اشارته تبعثر تلك القوى وعدم تشكيلها أي ثقل سياسي على مستوى وطني. طبعاً حزب "الكتائب" يمتد على مساحة المناطق، يدفعه صعودا تميّز أداء رئيسه النائب سامي الجميّل. وحده بات يشكل خطرا سياسياً على طموحات رئيسي "القوات" الدكتور ​سمير جعجع​، و"التيار" جبران باسيل. القوى الأخرى لم تشكّل حالات وطنية عابرة للمناطق، فبقيت زعاماتها محصورة في مدن او اقضية بأحسن الأحوال. رغم الخطابات والتصرفات الوطنية لكل منها، كما حال زعيمة "الكتلة الشعبية" ميريام سكاف التي تشكّل ثقلاً في قضاء زحلة، او النائب ميشال المر الذي يُعتبر الاكثر تمثيلاً في المتن الشمالي.

في حال استثنينا رئيس الجمهورية ميشال عون، يبدو التنافس على الزعامة المسيحية محصورا عند ثلاثة: جعجع وباسيل و​سامي الجميل​. من هنا يأتي عند هؤلاء الخطاب التصاعدي الذي يحاكي المسيحيين اولاً. المفارقة ان "الحكيم" هو الاكثر انفتاحاً على المكونات الاخرى. تلعب بيئة جعجع الريفيّة دورا مهما يساهم في تقريب المسافات مع الآخرين. هو ليس وريثاً سياسياً، ولا ينتمي الى عائلة تُصنّف اقطاعية. لولا وصول زوجته النائبة ستريدا جعجع الى ساحة النجمة، لكان ايضاً بريئاً من أي اتهام حول العائلية السياسية. "الحكيم" نموذج للعصامية رغم كل ما طبع تصرفات "القوات" اثناء الحرب اللبنانيّة. لا يحتاج جعجع اليوم لخطاب طائفي من اجل فرض زعامته. بإنتخابه عون رئيساً، وبتحالفه مع التيار البرتقالي استوعب "الحكيم" النقمة التي كان "عونيون" يحملونها عليه.

استنادا الى الاحصاءات باتت "القوات" الرقم الصعب في زحلة ومعظم اقضية الشمال. استطاع "الحكيم" الدخول الى المتن وكسروان. هو موجود في الشوف وعاليه وبعبدا وبيروت والبقاع.

لكن شابين صاعدين يستولدان منافسة مسيحية مع جعجع: باسيل والجميل. وزير الخارجية يستفيد اليوم من فرصة وجوده رقما اساسيا في المعادلة السياسية لترسيخ دوره. بينما تعاكس الظروف "الشيخ" سامي الآن. لكن هذا لا يقلل من تميّز الجميل.

توحي التصرفات "البرتقالية" والقواتية ان هناك مسعى ثنائياً لالغاء الآخرين في الساحة المسيحية. قد يبدو الأمر صعباً. صمدت "الكتلة الشعبية" في أصعب ظروفها بعد رحيل النائب ايلي سكاف، وعدم وجودها في الحكومة والمجلس النيابي. كذلك بقي الجميل والمر وبطرس حرب وآخرون ارقاماً اساسية في المعادلة السياسية.

بمجرد طرح القانون التأهيلي على اساس تأهل اثنين فقط في الانتخابات النيابية، يعكس نيّة لالغاء الآخرين، وتفرد الثنائية المسيحيّة بالتمثيل النيابي ولاحقا الحكومي. لكن الامور في لبنان لا تُقاس بتلك المسطرة. بدليل وقوف حلفاء تيار "المردة" معه في شأن تمثيله في الحكومة الحالية، وتنازل حركة "أمل" حينها عن حصتها في حقيبة الاشغال لإعطائها للمردة. لو لم تكن تلك الوقفة لكان "المردة" خارج المعادلة الحكومية تمهيداً لالغائه كلياً من المعادلة السياسية.

في السياسة يحق للقوات والتيار ترجمة نيّتهما تجاه أي خصم سياسي لهما. لم ينته مشروعهما. سيحاولان تكرار التجربة في انتخابات زغرتا لسحب البساط من تحت نواب ثلاثة يشكلون كتلة "لبنان الحر الموحّد". قد ينجحان في حال أسّسَا تحالفاً جامعاً يضم رئيس حركة الاستقلال ميشال معوض الذي عاد الى نشاطه المكثف بالتعاون مع "التيار" و"القوات". كله رهن ال​قانون الانتخاب​ي العتيد. النسبيّة تنقذ الشخصيات المسيحيّة الاخرى من محاولة شطب وجودها. لكن وصولها بالمفرق لن يسمح لها بتشكيل زعامة مسيحيّة عابرة للمناطق، ليبقى التفرد ثلاثياً: القوات والتيار والكتائب.

الذي يشكّل خطراً عليهما هو الخطاب الطائفي. لن ينتج تحالفات وطنية، بل يستولد الفيتوات لاحقا في شأن أي منصب. تركيز باسيل على تلك العناوين باتت سيفا بحدين: جماهيرية مسيحيّة مؤيدة له نسبياً، مقابل استياء اسلامي عام وشامل.

تلك المعادلة لا تتوافق مع متطلبات الزعامة الوطنية ولا الوصول الى مناصب رئاسية لاحقاً. هل يعي جعجع والجميل ذلك اكثر؟.