في بلد من المفترض أن يكون العدل فيه أساس الملك، بلد عاصمته تحمل لقب أمّ الشرائع، ونسبة الفساد المستشري في مؤسساته مرتفعة جداً، أصدر ​مجلس شورى الدولة​ خلال شهر ونصف فقط، ثلاثة قرارات في قضية، أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها من أبرز الفضائح التي بدأ إرتكابها في عهد الحكومة التي ترأسها تمام سلام، وإستكمل مع عودة رئيس تيار المستقبل النائب ​سعد الحريري​ الى السراي رئيساً للحكومة، ودائماً بعلم ومعرفة، كي لا نقول أكثر من ذلك، وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق.

إنها فضيحة مشروع "إيدن باي ريزورت" على شاطئ ​الرملة البيضاء​، التي قضى القرار الأول لمجلس شورى الدولة بوقف تنفيذ رخصته نظراً للمخالفات القانونية الكثيرة التي تضمنتها، الأمر الذي لم تكترث له الشركة صاحبة المشروع، مستكملة الأعمال تحت حجة أن القرار الصادر يسري على رخصة قديمة للمشروع. كل ذلك حصل بمعرفة وعلم قوى الأمن الداخلي التي لم تتدخل ولو لمرة واحدة لتنفيذ قرار شورى الدولة، فيما ركضت على خيمة في الجنوب لتعتقل امرأة مسنّة مصابة بالسرطان لا ناقة ولا جمل بما قيل أنّها مخالفة.

إنها فضيحة مشروع "إيدن باي ريزورت" التي أكّد مجلس شورى الدولة بقراره الثاني قراره الأول المطالب بوقف التنفيذ، طالباً من الشركة وقف التنفيذ تحت طائلة غرامة إكراهية قدرها 150 مليون ليرة لبنانية عن كل يوم مخالفة، إلى حين إعادة العمل بالرخصة التي تجيز هذه الاعمال، أو إلى حين استصدار رخصة جديدة، وهنا رد المجلس على الشركة، مشدداً على أن وقف تنفيذ الرخصة الأساسية يسري حكماً على أي تعديل طرأ عليها وتتذرع به الشركة لإستكمال الأعمال.

بين القرار الأول والثاني، بقيت الأعمال مستمرة ليلاً نهاراً وبسرعة بناء لم تشهدها ورشة من قبل. وخلال تلك الفترة التي كانت فيها الأعمال ممنوعة على الحبر والورق فقط بقرارين من شورى الدولة، لجأت المفكرة القانونية مع جمعية غرين لاين البيئية الى قاضي الأمور المستعجلة في بيروت جاد معلوف، الذي أرسل خبيراً للكشف على الأعمال، وعندها وُثّقت المخالفات بأم العين، وكتب تقريرا مفصّلا يثبت بما لا يقبل الشك كيف أن أعمال البناء لم تتوقف ولو للحظة حتى في اليوم الذي عاين فيه الخبير الورشة الممنوعة، من دون أن تغرّم الشركة بدولار واحد كما ذكر قرار شورى الدولة.

نعم هي الورشة الفضيحة التي وبعد قرارين قضائيين بوقف تنفيذ الرخصة، جاء القرار الثالث في الحادي عشر من نيسان الفائت، ومن المرجع القضائي عينه، أي شورى الدولة، بالعدول عن قرار وقف تنفيذ رخصة بناء "إيدن باي ريزورت" في الرملة البيضاء وذلك بعدما استند إلى عنصرين: الأول المتعلق بإلغاء الكورنيش المشمول في تلك المنطقة ومنها إيدن روك، والثاني أن "هذه العقارات التي كانت مشمولة بالإلغاء هي عقارات خاصة وليست ملكية عامة وقريبة من البحر، وبالتالي كان على الدولة أن تحدّد الملكية البحرية العامة على الشاطئ، والقضاء لا يستطيع أن يقوم مقام الحكومة"، على ما ذكره المجلس في نص قراره الثالث.

إذاً ما الذي تغيّر خلال شهر ونصف الشهر كي يناقض شورى الدولة بقراره الثالث كل ما سبق له أن طلبه بقراريه الأول والثاني؟ هل إرتفع منسوب الضغوط السياسية التي مورست سابقاً لإستكمال تنفيذ الأعمال على رغم قرارات المنع، فجاء القرار الثالث ليسمح بإستكمال الورشة؟ من أي فريق سياسي مقرب صاحب المشروع وهو من آل عاشور؟ ولماذا يتلقى الدعم الكامل من وزارة الداخلية؟.

أسئلة نضعها برسم وزارة الدولة لشؤون الفساد، كيف لا، وهي الجهاز الذي أضافه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى سلسلة الأجهزة الرقابية لمكافحة الفساد، وما أكثره في المسمّاة دولة لبنانية!...