ليت الحكاية تقف على تفاؤل لكان ​قانون الانتخاب​ أبصر النور اليوم قبل الغد، ولكان سيّد العهد تنفّس نفسًا طبيعيًا وما عاد يشعر بأنه منقوص وبأن هناك ما يخنقه لأنه لم يعتد أن ينكث بكلامه.

واضحٌ أن الجميع يقولون الكثير فيما المطلوب واحد. وواضحٌ أكثر أن المروّجين لاقتراب ولادة القانون العتيد يبنون على تفاؤل من هنا وآخر من هناك، خصوصًا أن بورصة التفاؤل تتلاعب أسهمها هذه الأيام بين قصري بعبدا وعين التينة قبل أن تصبح معدية للسراي الحكومي حيث ينتظر رجل العهد الثاني بفارق الصبر أن يزيح عنه الأفرقاء المتخاصمون صخرة قانون الانتخاب.

زهورٌ لم تتفتّح بعد

كيف تبدو الصورة حتى اليوم؟ عدا التفاؤل الذي يشبه بانتشاره انتشار ورود الأقحوان في بساتين لبنان الربيعية، يبدو أن ربيع القانون الانتخابي لم تتفتّح زهوره بعد أو قلْ برعمت بيد أنها تنتظر مزيدًا من زخات المطر كي يكتمل نموّها. مرتاحون على أوضاعهم مشرّعو لبنان، يخرج هذا ليبشّر بأن “النسبية” تتقدم فيثبت المثبت و”المعلوك”، ويخرج آخر ليطمئن الى أن هامش الوقت ما زال في صالح المتخاصمين طالما أننا لم نبلغ 19 حزيران بعد، وهي المهلة الجديدة التي وضعها السياسيون نصب أعينهم للخروج باتفاق ربع الساعة الأخير على ما يتراءى لكثيرين بعدما غدا الفراغ وقانون الستين والتمديد سواسية من حيث حظوظها المعدومة.

تعبيد طريق الانتصار

في الأمس، حان دور رئيس مجلس النواب نبيه بري ليتفاءل بعدما سبقه الى التفاؤل رئيس الجمهورية خلال لقائه الرئيس عصام فارس أمس الأول. ولعلّ تفاؤل برّي مبنيٌّ هذه المرة على حقيقة أن “النسبية” رسّخت قدميها في الأرض وما عاد طرحٌ جديدٌ قادرًا على انتزاعها حتى لو كان هذا الطرح وليد شفتي الوزير جبران باسيل الذي فاجأ راصديه أمس الأول بإعادة إحيائه القانون التأهيلي، وهو ما اعتبره كثيرون وضعًا للعصي في الدواليب، لا بل تغريدًا خارج سرب الإتفاق المحتمل والقريب على قانون نسبي، قرر الرئيس بري أن يبدي إزاءه ليونةً مطلقة بعدم

ربط مناقشته بمجلس الشيوخ، وهو ما قرأه معظم الأفرقاء على أنه تعبيد طريق لانتصار النسبية الكاملة على أن يبقى عدد الدوائر رهنَ البحث ورهنَ هواجس لا بدّ من تبديدها.

أسبابٌ تدعو للتفاؤل

حتى الساعة، ورغم الدينامية الانتخابية التي شهدها لبنان ولما يزل منذ يوم الأحد الفائت واللقاءات الماراثونية التي احتضنتها الدور السياسية المختلفة، لم يلمس المواطنون سوى كلامٍ في الهواء. للسياسيين أسبابٌ تدعوهم للتفاؤل من دون أن تنطلي على الشعب: أولًا، استمرار التواصل وعدم إقفال الباب أمام النقاشات التي قد تكون مثمرة في نهاية المطاف، وهو ما يشدد عليه الرئيس بري في معرض تسويغه تفاؤله المستجدّ. ثانيًا، لقاء أفرقاء متخاصمين في السياسة حول قانون واحد وعلى رأسهم القوات اللبنانيّة وحزب الله وحركة أمل، أما ما يجمعهم فالنسبية الصريحة مع بعض الاختلافات حول عدد الدوائر. ثالثًا، الضغوط الزمنية والدولية على لبنان والتي تجعل المناورة في غير مكانها لا بل تزكّي أيّ قانون جديد من شأنه أن يزيح شبح الستين عن الساحة. رابعًا، إصرار رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على الخروج بقانون انتخابي جديد ضمن المهل الدستورية ولو تطلّب الأمر تأجيلًا تقنيًا طفيفًا فلن يُحسَب نقطةً سوداء في سجلات العهد. خامسًا، قناعة دفينة لدى الجميع برغبة دولية وعربية بتحييد لبنان عن كلّ الصراعات والمشاكل وتوفير قسطٍ من الاستقرار له وهو ما لن يتأتّى إلا من خلال قانون انتخابي جديد. سادسًا وأخيرًا، عدم ارتضاء أيٍّ من الأفرقاء بالفراغ الذي سيكون حتميًا ما لم يتمّ التوصّل الى إقرار قانون جديد في حلول 19 حزيران.

أين يُصرَف التفاؤل؟

في المحصّلة، الجميع متفائلٌ على إيقاع تقدّم “نسبيّ” في القانون النسبي، لكنّ كثيرين يتساءلون من باب الحرص لا الزكزكة: أين يُصرَف هذا التفاؤل؟ ولمَ يقول الجميع الكثير فيما المطلوب واحد وغير قادرين على تأمينه على ما يبدو حتى الساعة؟ وهل الجميع بات يتعامل على قاعدة “مرتا” أم أن التفاؤل سيجد قريبًا جدًا ترجمةً فعلية رغم كلّ الأراييح التي تعاكس كلّ قانون يقترب من إبصار النور؟ والأهمّ، هل سيرتضي التيار الوطني الحرّ بقانون لا يُعتبر شريكًا في صنعه بل هبط عليه بمظلة عين التينة، أم أن الكلمة الحسم في هذا المجال لرئيس الجمهورية؟