لم يعد يحتاج الامر الى الكثير من التفكير والتحليل للقول ان العلاقة بين التيار الوطني الحر (مع ما ومن يمثل) ورئيس مجلس النواب نبيه بري ليست سمناً وعسلاً، ولكنها ايضاً ليست على ما يرام وقد تكون الاكثر دقة في تاريخها. وكما ظهر الكلام فجأة عن تقارب بين الجهتين والاقتراب الى توقيع ورقة تفاهم، اختفى هذا التقارب بشكل فجائي وحلّ محله انفصال سياسي وانتخابي ودستوري.

ووفق المعلومات المستقاة من اكثر من مصدر مطلع، فإن ما يحصل مع بري لا يقتصر على ملف واحد او مشكلة واحدة بل هو ابعد من ذلك. بداية، تفيد المعلومات ان رئيس مجلس النواب لم يقتنع بعد ان العماد ميشال عون بات رئيساً للجمهورية، وانه على عكس كل الذين سبقوه، غير معني بالموافقة العمياء على ما يُطلب منه، وخصوصاً من بري الذي تخوّله سنواته المديدة في رئاسة مجلس النواب ان يكتسب معرفة ونفوذاً، لكنه لم يعرف بعد كيفيّة التعامل مع الرئيس ميشال عون، لذلك فإن كل موضوع يكاد يشكل ساحة مواجهة بينهما وسيبقى الوضع على حاله مهما طال الوقت، الى ان يقتنع بري ان عليه تغيير طريقة التعاطي مع رئيس الجمهورية وضرورة اعتماد مقاربة جديدة. وفي هذا السياق، تفيد الاجواء السائدة داخل التيار انه يمكن لبري ان يخلق مشاكل للعهد، ولكن في المقابل يعرف عون ايضا كيف يمرّ بين الالغام وهو ليس حديث العهد في هذا المضمار.

وبعد هذه المقدمة عن الوضع القائم بين رئيسي الجمهورية ومجلس النواب، لا بد من الحديث عن موضوع ​قانون الانتخاب​. ويبدو واضحاً ان التيار الوطني الحر يعتبر دون اي التباس ان العائق امام التوصل الى حل هو شخص واحد اسمه نبيه بري. وتؤكد المعلومات الواردة ان رئيس مجلس النواب يعمل من اجل أمرين لا ثالث لهما هما التمديد او قانون الستين، بدليل الرفض التام الذي يضعه بري امام كل الافكار والطروحات التي يقدمها الوطني الحر، ومنها ما صدر عن بري نفسه كالتأهيلي مثلاً الذي يواجهه اليوم بكل ما اوتي من قوة، فيما هو وليدة افكاره، وما يسود داخل التيار حاليا هو انه لو وافق على اي صيغة مطروحة فستواجه بفيتو من رئيس السلطة التشريعية.

وفيما تشدد المعلومات على ان همّ التيار هو انصاف التمثيل المسيحي، ليس من منطلق طائفي، انما من منطلق العدل للجميع، بات بالنسبة الى المنتسبين اليه، رئيس مجلس النواب "متهما" بتأجيج الخلاف مع النائب سليمان فرنجية الذي يعترف التيار بحيثيته بشكل واضح ويؤكد ان النائب الزغرتاوي مرتاح الى وضعه اياً يكن شكل القانون الانتخابي، وبالتالي ليس هناك من حاجة للتيار ليبني جداراً مع فرنجية على اساس قانون الانتخاب.

وتعكس اجواء سائدة داخل التيار استغراب الدور الجديد الذي يلعبه بري في موضوع قانون الانتخاب، وهو دور عدم الوضوح في الرأي حيث يوافق تارة على صيغة ما ثم ما يلبث ان يعارضها، وهذا الامر وضع تيار المستقبل ايضاً في حيرة من امره وجعل، وفق المعلومات المتداولة، مسؤولو التيار الازرق يعربون عن استيائهم من عدم ثبات بري على رأي في هذا المجال، وهم المتعطشون اكثر من غيرهم للاطاحة بقانون الستين من جهة، وعدم التمديد للمجلس من جهة ثانية لما فيه من تأثير سلبي على رئيس الحكومة سعد الحريري انتخابياً وسياسياً ايضاً.

وتسود اجواء من القلق داخل التيار الوطني الحر من ان تؤدي حال المماطلة والعرقلة الى حصول بلبلة امنية (ليس من جانب التيار طبعاً)، بل من خلال احداث مماثلة لـ"تحريك المياومين" في موضوع الكهرباء والتي لم تكن بريئة وفق ما يصفها حزبيون في التيار، والتلطي خلف مواضيع معيشية وحياتية واقتصادية من اجل الشحن الشعبي، مشددين في المقابل على ان ملف الكهرباء شفاف بالفعل وكل ما يقال عنه حالياً وعن موضوع البواخر هو لذر الرماد في العيون ليس الا.

وحتى انتهاء مهلة المجلس النيابي في حزيران المقبل، تشير المعلومات الى أن حدّة المواقف ستشتدّ وتتصاعد بين الفريقين، وان التيّار الوطني الحرّ لن يقبل أقلّ من اعادة التمثيل الصحيح الى ما هو مفترض أن يكون، ولن يرضى أن يكون مكسر عصا لأحد، اما ما بعد العشرين من حزيران المقبل، فتبقى، وفق المعلومات المتداولة؛ كل الاحتمالات واردة دون حصول ولو تلميح الى الوجهة التي قد يسلكها الرئيس عون او التيار الوطني الحر على هذا الصعيد. وفي ظل كل هذه المعطيات، يبقى الثابت ان سنوات العهد ستكون بمثابة مواجهة مفتوحة وسيتم الاعتماد على مساعي الخيّرين للخروج بأقل قدر ممكن من الخسائر.