افتتحت لجنة ​اللامركزية الادارية​ في نقابة المحامين مؤتمرها بعنوان "قانون اللامركزية الادارية"، بالتعاون مع مؤسسة "فرديريتش ايبرت"، ظهر اليوم في "​بيت المحامي​"، برعاية نقيب المحامين في بيروت انطونيو الهاشم، الذي القى كلمة الافتتاح، قال فيها إن "فكرة اللامركزية الإدارية كانت ولسنوات خلت موضوع مناقشة وحوار. وقد طرحت مرات عديدة في البيانات الوزارية منذ ما ينيف عن ستة عقود. وإنما، المساعي التي جرت لتطبيقها على أرض الواقع، كانت ولا تزال خجولة".

ولفت الهاشم الى ان "في حين أصبح موضوع اللامركزية مطلبا سياسيا وحيويا بامتياز بات ليتماشى وأية صيغة وفاقية تطرح، فإن صيغة الوفاق هذه، لا تكتمل إن لم تتناول هذا الموضوع بجدية مطلقة، بحيث، إن اللامركزية كانت وما زالت ذاك المطلب المهم والحيوي الهادف إلى إختصار المسافات ما أمكن بين المواطن ومركز الخدمة التي يسعى إليها من المرافق والإدارات العامة، بهدف إيصال الخدمة إلى المواطن عوضا عن حمل هذا الأخير على تحمل مشقة الإنتقال سعيا وراءها مسافات طويلة، على ما هي الحال في نظام المركزية والحصرية الإدارية".

واعتبر انه مما لا شك فيه، "أنه ورغم ما لنظام اللامركزية من فوائد تعود بالنفع على المواطنين وعلى الإقتصاد الوطني في ما لو إقتصر اعماله في حقل الإدارة والخدمات، إلا إنه، وفي المقابل، فهو لا يخلو من المحاذير عندما يتخطى في تطبيقه النطاق الإداري، ومنه إلى النطاق السياسي، وهذا ما يدعونا إلى رسم خارطة طريق خالية من الألغام السياسية إذا جاز التعبير ما يمكننا بأن نتبين معها عمليا أين ينتهي الحقل الإداري وأين يبدأ الحقل السياسي"؟

وشدد الهاشم انه "لعقود خلت، كان لدولة الرئيس الدكتور سليم الحص قراءة تحذيرية نبه من خلالها إلى ان خير وقت للبحث في موضوع اللامركزية، ولو كانت إدارية الطابع، هو الوقت الذي تكون فيه السلطة المركزية قوية ومتينة. أما إذا أدخلت اللامركزية على النظام الإداري في فترة تكون فيها الدولة ضعيفة، فيخشى على تماسك الدولة في تطبيقها.

وفي لبنان، حري بنا ان نقرأ تاريخه بدقة. فهذا البلد الصغير بمساحته صنعه ماضيه. ماضيه المرتبط بحاضره. كما ان الأوضاع السياسية والإجتماعية والدستورية في لبنان لا يمكن مقاربتها بدقة إلا من خلال مقاربة ماضيه. فلا حاضر لمن لا ماضٍ له.

ففي مقدمة كتابه المعروف ب"المدينة القديمة "La Cité antique" أكد المؤرخ الفرنسي (Fustel De (COULANGES، ) فوستيل دو كولانج، وهو مؤلف جملة من البحوث في تاريخ العالم القديم، وفي تاريخ فرنسا في القرون الوسطى، أهمية الماضي بالقول:

" إن الماضي لا يموت أبدا لدى الإنسان. فهو في إمكانه ان ينساه. غير أنه يرغب في أن يحتفظ به في داخله. فوضعه في أي حقبة من تاريخه، هو حصيلة الأوضاع التي سادت في الحقبات السابقة كلها وخلاصتها".

كما ان اللامركزية الإدارية وجه من أوجه التنظيم الإداري للدولة، فإن ثمة تخطيطا لتنظيم جهازها الإداري يمكن ان تعتمده الدولة، وعادة ما يكون متأثرا بالنظام السياسي المتبع لديها".

وأضاف: "كما لكل الأنظمة المعمول بها، فإن لنظام اللامركزية حسنات وسيئات.

فعلى الصعيد الإداري، يخفف هذا النظام من أعباء السلطة المركزية المرهقة بالنظر الى كونها في هيئة واحدة. وقد كان للمركزية الوصف الدقيق لدى الراهب الفرنسي "روبرت دو لا مينيه" "Robert De lamennais" الذي كان في الوقت عينه كاتبا وأحد أيديولوجيي الإشتراكية المسيحية في عصره، بحيث قال:

"Avec la centralisation, on a l'apoplexie au centre, et la paralysie aux extrémités"

أي ان المركزية هي السكتة في المركز، والشلل في الأطراف.

هذا على الصعيد الإداري،

أما على الصعيد السياسي، فإن نظام اللامركزية يبقس حرية واستقلال السلطات المحلية، بإدارة ذاتها بذاتها. وهو بذا يرتبط بفكرة الديموقراطية السياسية المتجسدة بمشاركة الشعب في الحكم كما وفي الحياة السياسية، وذلك عن طريق إختيار ممثليه، إلى جانب مشاركة المواطنين في إدارة شؤونهم المحلية، عبر إنتخاب هيئاتهم المحلية.

ولا ننسى أن الشعب في النظم الديموقراطية هو مصدر السلطات. من هنا فإن "اللامركزية على حد تعبير (De Laubadère) دو لوبادير هي الديموقراطية الإدراية التي يدير الشعب بواسطتها شؤونه المحلية".

واللامركزية الإدارية هي وسيلة للوصول إلى إدارة سليمة وتوزيع الوظيفة الإدارية بأفضل النتائج المرجوة. إنما، وفي المقابل أيضا، ثمة من يرى ان نظام اللامركزية الإدارية ليس بالحل السهل على الإطلاق بحيث ينبغي درس نتائجه بدقة وحرص، فهو يتطلب كفايات عالية ومعرفة تنظيمية وإدارية مع مراعاة الظروف والأحوال التي تسود البلاد، من سياسية وثقافية وإجتماعية، ليتلاءم مع تلك الأحوال والظروف. والأهم من كل ذلك يبقى على الدولة ان تستعيد قوتها ووحدتها بوحدة الشعب، نعم بوحدة الشعب".

وتابع: "إننا نعيش في بلد عريق له جذوره التاريخية. ولا يبقى لنا إلا هذا الوطن لبنان.

نستخلص العبر من الماضي كتجربة لننطلق منه. واليوم، ونحن في الحاضر، نرى المستقبل. حري بنا ان نسأل: ماذا نقدم الى لبناننا اليوم؟

لقد بتنا في يومنا هذا نعي تماما أنه لا يمكن بناء دولة في مناخ متشنج بعيد عن الوحدة. فكل بحث وتنقيب عن أي نظام نريد، يبقى من دون المرتجى ولا طائل منه في ظل الفوضى العارمة التي نشهدها كل يوم. فالأهرام تبنى على القواعد لا على الرؤوس وإلا كان هويها عظيما. فبقدر ما نكون نحن كلبنانيين، صالحين، بقدر ما تنجح الأنظمة وتصلح وتعلو. أما في ظل الفساد المستشري كما وفي ظل أجواء التشكيك وعدم الثقة، فإن كل السبل ستفشل حتما فلا قيام للدولة ومستقبلها، إلاّ بوحدة أبنائها. ولا سيادة إلاّ في دولة قوية ذات سلطة موحدة حازمة في القرارات، تفرض القانون على الجميع دون استثناء. فالعدالة التي ينشدها كل مواطن تقربه من الدولة. فعلى حدّ تعبير متقن نظام اللامركزية ومسألة تطبيقها في لبنان، عنيت به الرئيس الصديق خالد قباني، "لا شيء مثل العدالة يستجلب الولاء". ويبقى على الدولة ان تحزم أمرها وأن تكون، مرة واحدة على الأقل، وقد تكون المرة الأخيرة، دولة. فمنذ وثيقة الوفاق الوطني "إتفاق الطائف" واللامركزية الإدارية عنوان تجاذب في التطبيق، رغم دخولها إطار الإجماع اللبناني، بحيث لم تعد مطلبا ملحا لفئة من دون غيرها، بل مطلبا وحاجة ملحة بهدف بناء الدولة ككيان وتعزيز المشاركة المحلية على تنوعها لجميع الفئات.

وعلى رغم تشكيل لجنة لإعداد مشروع قانون لتطبيق اللامركزية الإدارية منذ خمسة أعوام، فقد عقدت جلسات عمل وأقرت نظاما داخليا لها في أولى جلساتها مستعينة بخبراء في مسائل مختلفة. وهذا المشروع انطلق من مسلمات دستورية محددة مقاربا اللامركزية بكل أبعادها الإصلاحية وفق آليات تعتمد الإنتخاب قاعدة، والإستقلالين المالي والإداري وسيلة. وحافظ المشروع على الصلاحيات والحقوق المالية للبلديات، على إعتبار أنها الخط الأول من النظام اللامركزي.

إلى ذلك فإن الدستور لم يأت على ذكر أحكام خاصة تتعلق باللامركزية، وإنما أشارت إليها وثيقة الوفاق الوطني تحت باب "الإصلاحات الأخرى"، التي أوردت الموضوع تحت عنوان إصلاحي، موصية بضرورة إعتماد اللامركزية الموسّعة على مستوى الوحدات الإدراية الصغرى، بشكل يلبي متطلبات هذا العصر، دونما تعارض أو تداخل في الصلاحيات والأدوار ما بين السلطتين المركزية واللامركزية".

وقال: "في مطلق الأحوال، وصفوة القول لنعمل أولا على بناء الدولة. دولة اللافساد. فالفساد السياسي هو المبرر لضعف الشرعية. ففي رأي معالي الدكتور قباني، ونحن من المؤيدين لهذا الرأي، فان الفساد يتفشى كالمرض الخبيث في كيان الدولة وقلبها ضاربا أوصالها. فهو لا يستقر في قطاع ليستثني آخر. والفساد يتلازم وضعف الدولة في ظل غياب المساءلة والشفافية وعدم احترام القوانين.

لذا، فإن نقيض الشرعية هو الفساد، "وما بني على فساد فهو فاسد".

ولعل احترام القوانين والتزام تطبيقها دونما تجاوز، يبقى الأجدى. كما ان احترام القواعد القانونية يساوي بين الأفراد دونما تمييز فيما بينهم. فهو الأساس في النزاهة والشفافية لبناء دولة القانون، الدولة التي تخضع في عملها لأحكام القانون، الدولة التي يخضع فيها الحكام والمحكمون لأحكام القانون وإلى القواعد القانونية. ما يحفظ إنتظام عمل المؤسسات. إذ من المؤسف حقا على ان إحدى المظاهر البارزة في لبنان هي عدم إلتزام السلطات الإدارية تنفيذ القواعد القانونية بتجرد. فالنصوص في واد، وتطبيقها في واد آخر".

وأضاف: "إننا مع الساعين الى اعمال مبدأ تحييد الإدارة عن السياسة. فالإدارة تسعى الى خدمة الناس وتلبية حاجاتهم. إذ يتغير من هم في السلطة وتتبدل الحكومات وتتعاقب، وإنما، الإدارة تبقى لخدمة المواطنين.

لذا، يجب ابقاء الإدارة بعيدة عن التجاذبات السياسية، إذ لم يعد من المسموح بتاتا دفع المواطنين عنوة إلى توسل المراجع أو القوى السياسية من ذوي النفوذ كي يحصلوا على حقوقهم. بذا نسيء الى أنفسنا وللإدارة نتيجة هدر كرامات هؤلاء.

إن الإدارة يجب ان تبقى دائما على ثبات وإستمرار. فهي الحامي الضامن لمصالح المواطنين.

فليطبق الدستور الذي بين وأوضح مرتكزات النظام الإداري، راسما حدوده من بنود إصلاحية تجسد بمجموعه الضمان الأمثل لوحدة الدولة الإدارية".