كان يظن اللبنانيون أن مشهد انتخاب رئيس الجمهورية فرض تحالفات سياسية استولدت تموضعات انتخابية طويلة المدى، بما يعني أن يكون "التيار الوطني الحر" الى جانب "القوات" وتيار "المستقبل" بشكل أساسي، وضم قوى أخرى الى الحلف الانتخابي العريض. لكن مجريات الاسابيع الماضية بيّنت أن الصورة ضبابية. لم تُحسم التحالفات حتى الساعة، لا بل هناك مفاجآت. الامر لا يتعلق بشكل وجوهر القانون الانتخابي، بل بتموضعات يتداخل فيها البعد اللبناني مع المدى الاقليمي.

في الايام الماضية كان أحد المسؤولين النافذين في "التيار الوطني الحر" يتحدث في جلسة خاصة عن حلف وثيق بين "العونيين" و"حزب الله" غير قابل للانفصال. هو استبعد اي تقارب انتخابي لا موضعي ولا عام مع "القوات"، مستندا الى "تباينات جوهرية قائمة بين الفريقين"، لكنه ترك الإحتمالات مفتوحة حول التعاون الانتخابي مع "المستقبل".

كان يرتكز كلام المسؤول المذكور الى التجربة السياسية والإلتزام و"الوفاء" لمن فرض العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية. بعد يومين من الجلسة المُشار اليها جاءت قمة الرياض التي اعقبها تصريح وزير الخارجية ​جبران باسيل​، ثم تعليق رئيس الجمهورية، وبعدها تحية الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لرئيس الجمهورية حول مضمون كلام عون وباسيل. هنا تُحتّم التموضعات الإقليمية أن يكون "التيار" الى جانب "الحزب". هل ينطبق الامر على التفاصيل الداخلية؟.

تمدد "التيار" سياسيا في الاشهر الماضية منذ ما قبل انتخاب عون رئيسا، واصبح حليف معظم القوى، ولو اكتمل مشروع التفاهم بينه وبين حركة "امل"، لكان "التيار" أنجز توافقات سياسية لبنانية عريضة غير مسبوقة. استند باسيل الى ملفات عدة تستوجب التقارب بينه وبين الاخرين. استفاد "التيار" من وصول "الجنرال" الى بعبدا، ثم بدأ يخطط: مصلحة مسيحية في استكمال التفاهم مع "القوات" لتشكيل ثنائية تُطيح عمليا بالقوى السياسية المسيحية الاخرى. توظيف سياسي واقتصادي للعلاقة مع رئيس الحكومة سعد الحريري، من الإستثمارات المالية المُفترضة، او المشاريع التجارية المشتركة المُمكنة، وصولا الى تأسيس تحالف مع تيار يُعدّ من أبرز القوى الاسلامية السُنية. هنا اعتقد القيّمون على "التيار" أنه بإمكانهم تحقيق توازن بين "المستقبل" و "حزب الله".

سار كل شيء على ما يرام في جميع الاتجاهات. لكن جاءت خطة وزارة الطاقة حول بواخر الكهرباء لتظهّر خللا بين "التيار" و "القوات". ثم بانت حسابات الدكتور سمير جعجع الانتخابية، فسارع الى إعلان مرشحيه في البترون و بعلبك-الهرمل. بدا هنا ان كلاً من الفريقين يخطط لتوسيع حجمه النيابي لاحقا. بالطبع هناك حسابات لها علاقة برئاسة الجمهورية بعد ست سنوات. انكسرت الجرة عمليا مع "القوات" لكن التفاهم بقي شعارا يتغنى به الفريقين.

على خط التيارين الازرق والبرتقالي، بدت العقدة في مكان آخر. كل عنوان داخلي يجمع بين الفريقين من دون اي تباين: اتفاق واضح على خطط الكهرباء والبواخر والاتصالات وربما النفط والغاز لاحقا. ايضا في شأن الإنتخابات يوجد مصلحة للتيار "الوطني الحر" بالتحالف مع "المستقبل"، ايا يكن قانون الانتخابات. اذا افترضنا ان اجراء الاستحقاق تمّ على اساس القانون النافذ، يستطيع الحريري مؤازرة العونيين في دوائر زحلة والبقاع الغربي وعكار والكورة وزغرتا وطرابلس والبترون وبيروت. مصلحة باسيل الإنتخابية تقضي ان يكون الى جانب "المستقبل" اكبر من مصلحة الحريري معه. في البقاعين الاوسط وزحلة يستطيع "المستقبل" حسم النتائج مع أي قوة اساسية يتحالف معها. كذلك الامر في عكار، بينما يملك ثقلا في باقي الدوائر المذكورة.

لكن هل تطيح التباينات الإقليمية بالتقارب بين الازرق والبرتقالي؟ ما حصل بعد قمة الرياض يجعل كل الإحتمالات واردة. خصوصا ان السعوديين ارسلوا اشارة لافتة للعونيين بحجب موقع التيار الإلكتروني. الحريري بالطبع يفهم الرسالة السعودية. فما هي تداعيات الرسالة داخليا؟ علما ان هناك من كان يرى في تقارب باسيل مع الحريري تحضيرا لتحالف جوهري بينهما يمتد بأبعاده الى التموضعات الاقليمية. ما ظهر بعد قمة الرياض اعاد طرح كل الفرضيات، وان كان يؤكد عمليا كلام المسؤول المذكور في بداية النص: التيار الى جانب حزب الله.