من حيث لا يدري أو يحتسب أحد، وفي خضمّ موجة "التفاؤل" التي اجتاحت البلاد على صعيد ​قانون الانتخاب​، "اشتعلت" من جديد خلال الساعات الماضية "الجبهة" بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، على خلفيّة قيام الأخير بتحديد موعد جلسةٍ للمجلس النيابي خارج العقد العاديّ، ومن دون أن ينتظر توقيع الأول على مرسوم فتح دورة استثنائية، قيل أنّها شبه حتميّة.

وإذا كان بري حرص في مؤتمرٍ صحافيٍ عقده إلى توضيح "خلفيّات" الدعوة، إلا أنّه أرفق ذلك برسائل "مشفّرة" لم تبدُ إيجابيّة بالمطلَق باتجاه الرئيس، ما دفع العديد من الأصوات في "التيار" إلى القول أنّه، إذا كانت الدورة الاستثنائية "في الجيب" ما قبل دعوة بري الجدليّة، فإنّها باتت اليوم "مشروطة" شكلاً ومضموناً...

تحدٍّ للرئيس؟!

بدايةً، لا شكّ أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لم يكن من الممانعين لفتح دورة استثنائية، بل كان أصلاً من الداعين إليها، هو الذي بقي حتى الأمس القريب يذكّر أنّ مهلة البتّ في قانون الانتخاب لا تنتهي في نهاية شهر أيار، بل تمتدّ حتى انتهاء ولاية المجلس النيابي في 20 حزيران المقبل، الأمر الذي لم يكن من الممكن وضعه سوى في خانة التمهيد لفتح دورةٍ استثنائية، انطلاقاً من الاستراتيجية القائمة على استنفاد كلّ الفرص، حتى اللحظة الأخيرة، للتوصّل إلى توافق حول قانون الانتخاب.

وإذا كان صحيحًا أنّ هذه "القناعة" لم تتغيّر بالمُطلَق، باعتبار أنّ عون يسعى إلى القول أنّه فعل كلّ ما يبيحه له الدستور للضغط على الأفرقاء لعدم توفير أيّ فرصةٍ لإقرار قانون الانتخاب، فإنّ الأصحّ منه أنّ إقدام رئيس المجلس النيابي نبيه بري على الدعوة لجلسةٍ خارج العقد العاديّ خلط كلّ الأوراق، وهي خطوةٌ فُسِّرت في أجواء "التيار الوطني الحر" على أنّها "تحدٍ مباشرٍ" لرئيس الجمهورية، بل "إهانة" لمقام الرئاسة الأولى، كما ذهب البعض لتوصيف الأمر.

وبهذا المعنى، اعتبر أصحاب وجهة النظر هذه أنّ خطوة بري شكّلت "إحراجاً حقيقياً" لرئيس الجمهورية، الذي يرفض أن يتمّ وضعه تحت "الأمر الواقع" كما حصل، في عزّ "النضال" الذي يخوضه في سبيل استعادة هيبة الرئاسة، وبالتالي صلاحياتها المفقودة، وبالتالي فإنّ توقيعه اليوم على مرسوم فتح الدورة الاستثنائية قد يفسَّر في مكانٍ ما رضوخًا لإرادة بري. ولعلّ العلاقة المتأرجحة، منذ ما قبل الانتخابات الرئاسية، ما بين عون وبري، تزيد من حراجة الموقف، علمًا أنّ ما يُحكى عن تحسّن هذه العلاقة وتطوّرها لا يبدو دقيقًا جدًا، خصوصًا في ضوء الحملات المتبادلة بين بري ووزير الخارجية ​جبران باسيل​ على خلفية قانون الانتخاب، والتي نسفت عمليًا ورقة التفاهم التي قيل منذ فترة أنّها في طور الصياغة بين حركة "أمل" و"التيار الوطني الحر".

للدورة الاستثنائية شروطها!

وإذا كان البعض اعتقد، للوهلة الأولى، أنّ وظيفة المؤتمر الصحافي الذي عقده بري، وهو الذي نادرًا ما يدعو إلى مؤتمرات صحافية، كانت "معالجة" المسألة الإشكالية التي نتجت عن دعوته لجلسةٍ للمجلس النيابي خارج العقد العادي، وإنهاء "الالتباسات" التي قد تكون نتجت عن ذلك في إطار العلاقة مع رئيس الجمهورية، فإنّ "المفارقة" تمثّلت في لجوء بري إلى "اجتهاداتٍ دستورية" للقول بأنّ المجلس النيابي سيّد نفسه وأنّ أحداً لا يحقّ له الضغط على المجلس، وبأنّه قادرٌ على الاجتماع حتى لو لم يوقّع رئيس الجمهورية مرسوم فتح دورة استثنائية، استناداً إلى سابقة الصلاحية الدستورية التي اعتمدها الرئيس عون بتجميد عمل المجلس النيابي لشهرٍ.

هنا، قد لا يكون مبالَغًا به القول أنّ رفع رئيس المجلس النيابي للسقف إلى هذا المستوى لم يكن عفويًا، بل مرتبطٌ ارتباطاً وثيقًا بما وصله عن "مَخرَجٍ" سيلجأ إليه رئيس الجمهورية لردّ "التحدي"، قوامه فرض "شروطٍ" على توقيعه مرسوم فتح الدورة الاستثنائية، بل إمكانية ترك الأمور مفتوحة حتى اليوم الأخير، وفق قاعدة أنّ لرئيس الجمهورية الحقّ في توقيع مثل هذا المرسوم "في أيّ وقت"، قبل أو أثناء أو بعد انتهاء العقد العادي للمجلس النيابي. وبطبيعة الحال، لم يكن متوقّعًا أن يستسيغ بري مثل هذا الطرح، ما دفعه إلى الردّ عليه بتحدٍ جديد، وإن شكّل "سابقة" من نوعها، قد تنعكس سلبًا، في حال تكريسها، وهو مستبعَدٌ، على مجمل الملف الانتخابي، في عزّ التفاؤل القائم حوله.

عمومًا، تشير المعلومات المتوافرة إلى أنّ التوافق سلفاً على قانون الانتخاب هو من الشروط الموضوعة على فتح دورة استثنائية للمجلس النيابي، خصوصًا أنّ أكثر ما استفزّ أوساط "التيار الوطني الحر" في دعوة بري الجدلية، أكثر من مبدأ الدعوة نفسها، هو عبارة "وفق جدول الأعمال نفسه"، والمعروف أنّ جدول الأعمال هذا يتضمّن مشروع قانون التمديد للمجلس النيابي، وكأنّ هناك من لا يزال يمنّي النفس بإقرار هذا القانون، ولو في اللحظة الأخيرة، الأمر الذي يرفضه الرئيس، هو الذي لا يزال يتغنّى بأنّه من وضع حداً للتمديد عندما استخدم صلاحياته الدستورية بتجميد عمل البرلمان لشهر، عشيّة "جلسة التمديد" الشهيرة. وبالتالي، فإنّ المطلوب أن يتغيّر جدول الأعمال ليصبح ببندٍ واحدٍ ووحيد، ألا وهو قانون الانتخاب، ولا شيء غيره.

عن الكيمياء المفقودة...

قد يكون من الظلم بمكان القول أنّ رئيس المجلس النيابي لم يتصرّف بحسن نيّة عندما دعا إلى جلسة نيابية، هو الذي كان يعتقد أنّ الأمور سالكة نحو فتح العقد الاستثنائي، بل إنّه اعتقد أنّ إرجاءه الجلسة كان يفترض أن يتلقّفه الآخرون بإيجابية، خصوصاً أنّه كان قادرًا على تركها في موعدها، حتى يصدر مثل هذا المرسوم.

ولكن، في المقابل، قد يكون من البساطة بمكان القول أنّ تفصيلاً كهذا يمكن أن يمرّ مرور الكرام في علاقةٍ جدلية واستثنائية كتلك التي تربط عون وبري، اللذين لا يبدو أن شيئاً يجمعهما غير الكيمياء المفقودة عن جدارة...