بعد التقدّم النسبي الذي حصل على خط المفاوضات الهادفة إلى التوصّل إلى قانون جديد للإنتخابات النيابيّة، إنحرفت الأنظار في الساعات الماضية إلى جدل دُستوري لا يستند إلى أي أرضيّة متينة، ويفتقر تمامًا إلى أيّ مسوغ قانوني، حيث أنّه يخفي في طيّاته صراعًا على السُلطة، وخلافات قديمة-جديدة، وعدم إنسجام يعود إلى عُقود طويلة! فما هي الإنعكاسات المُتوقّعة لعمليّة "شدّ الحبال" المُتبادلة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، على المُحادثات الرامية إلى تحقيق التقدّم المَنشود في الملفّ الإنتخابي؟.

بداية لا بُد من التشديد على أنّه بالقانون والدُستور لا يحقّ لرئيس مجلس النوّاب تحديد جلسة تشريعيّة لمجلس النواب خارج أحد العقدين العاديّين، والمادة 31 وكذلك المادة 32 من الدُستور واضحتان في هذا الصدد(1)، ولا يحق للمجلس الإنعقاد في أي جلسة خارج العقد الإستثنائي، والمادة 33 من الدُستور واضحة في هذا الصدد أيضًا(2)، وبالتالي، إنّ جلسة يوم الإثنين في الخامس من حزيران هي جلسة باطلة وغير قانونيّة في حال إنعقدت من دون فتح دورة إستثنائيّة للمجلس، باعتبار أنّ العقد العادي ينتهي في 31 أيّار. أكثر من ذلك، لا يحق لرئيس مجلس النوّاب تحديد جدول أعمال الجلسات خلال العقد الإستثنائي، والمادة 33 من الدستور لا لبس فيها في هذا الصدد، لجهة التأكيد أنّ المرسوم الصادر عن رئيس الجمهورية بالإتفاق مع رئيس الحكومة يُحدّد برنامج العقد الإستثنائي.

ودائمًا بالقانون والدُستور لا يحقّ لرئيس مجلس الوزراء التوقيع على مرسوم فتح العقد الإستثنائي لمجلس النواب وتحويله إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لتوقيعه-كما فعل رئيس الحُكومة ​سعد الحريري​، لأنّ القانون ينصّ على أنّ، على رئيس البلاد أن يدعو مجلس النواب إلى عقود إستثنائيّة، بالإتفاق مع رئيس الحكومة، ما يعني أنّ رئيس الجمهورية هو الذي عليه المُبادرة وليس رئيس الحكومة. وبالنسبة إلى القول بأنّ تأجيل عقد المجلس لشهر كامل وفق المادة 59 من الدُستور، يسمح بمُعاودة الجلسات لشهر إضافي، فهذا يُمثّل بدوره بدعة قانونيّة، باعتبار أنّ التأجيل هو ضمن العقد العادي للمجلس(3)، وبالتالي إنّ إستئناف الجلسات يُفترض أن يتم ضمن العقد نفسه وليس عند إنتهائه! لكن، وبما أنّنا في لبنان حيث القانون والدُستور تحوّلا إلى وجهة نظر، وبما أنّ الكثير من القيادات تستمدّ قوّتها من طوائفها ومن مذاهبها وحتى من وهج السلاح، جرى ضرب هذه المواد الدستورية الواضحة باعتراف الأغلبيّة الساحقة من القانونيّين والدُستوريّين، باستثناء الفئة المُسيّسة منها، عرض الحائط. وبالتالي، بدلاً من التركيز على حلّ المشاكل الخاصة بتفاصيل القانون النسبي وفق 15 دائرة، والتي هي محط خلاف مُستمرّ، جرى إضافة مُشكلة جديدة مُرتبطة بالصلاحيّات وبتطبيق المواد الدستوريّة!.

ولا شكّ أنّ هذا الجوّ غير الإيجابي سيكون له إنعكاسات سلبيّة جدًا على المُحاولات الحالية لإحداث خرق، حيث أنّ "الكباش" الحالي سيقود حُكمًا إلى تشدّد الأطراف المَعنيّة بالمفاوضات إزاء التفاصيل الخلافيّة في القانون المُقترح، والتي تشمل كلاً من التقسيم النهائي للدوائر الإنتخابيّة مع الدخول في تفاصيل كل بلدة وقرية، والنسبة الأدنى المطلوبة لإحتساب اللوائح الفائزة قبل توزيع المقاعد النيابيّة عليها، ومسألة "الصوت التفضيلي" وما إذا كان سيُعتمد أم لا ووفق القضاء أم الدائرة الإنتخابية بكاملها-هذا إذا سلّمنا جدلاً أنّ "الثنائي المسيحي" تنازل نهائيًا عن مسألة "القيد الطائفي" للصوت التفضيلي. ومن بين المشاكل الصعبة المرميّة على طاولات المُفاوضات مسألة نقل بعض المقاعد من دائرة إنتخابيّة إلى أخرى، والتي يرى "الثنائي المسيحي" فيها إسترجاعًا لقيمة صوت مفقودة لكثير من الناخبين المسيحيّين، بينما يرى مُعارضو هذا المطلب نفسًا تقسيميًا مرفوضًا. وكان لافتًا أنّ بعض السياسيّين راح يُزايد بموضوع الوحدة الوطنيّة وأصرّ على بقاء المقاعد المسيحيّة كلها حيث هي بذريعة الحفاظ على الإنصهار الوطني، ما دفع بسياسيّين آخرين إلى طرح حلّ وسطي يقضي بالمُوافقة على هذا الأمر، لكن شرط أن يتم نقل مقاعد نيابيّة إسلامية إلى دوائر فيها أكثريّة ناخبة من الطائفة المسيحية، إنطلاقًا من مبدأ الإنصهار الوطني نفسه، إذا كان هذا هو الهدف الحقيقي من الإبقاء على المقاعد النيابية المسيحيّة حيث هي، وليس بقاء الهيمنة والسطو على الكثير من المقاعد لنفخ بعض الكتل النيابية هنا وهناك، عن غير وجه حقّ!.

وفي الختام، لا شك أنّ الإتصالات ستتركّز في الساعات المُقبلة على مسألة تجنّب زيادة الشرخ الحالي على مُستوى قيادات أساسيّة في البلاد، وليس على قانون الإنتخاب نفسه، علمًا أنّ "التيار الوطني الحُر" ناشد الجميع فصل التباين الحاصل على تفسير بعض المواد الدُستورية، عن المساعي الرامية إلى التوصّل إلى قانون إنتخابي مقبول من الجميع. لكن هل يُمكن البحث في تفاصيل القانون الخلافيّة بشكل إيجابي في الوقت الذي يتهدّد لبنان مُشكلة كبيرة في حال عدم اللجُوء إلى توقيع مرسوم خاص بعقد إستثنائي للمجلس النيابي ولا الإعلان عن إلغاء أو إرجاء جلسة الإثنين المقبل النيابية؟!