لا شك أن السباق باتجاه قانون الانتخاب قد وصل الى الشوط الاخير مع قرب انتهاء ولاية المجلس النيابي الحالي في العشرين من حزيران، وبالتالي فإن معركة عض الاصابع بين القوى المعنية ستأخذ منحى تصاعدياً في الايام القليلة المقبلة، ما لم يؤدِّ اللقاء الذي سيجمع رئيسي الجمهورية العماد ميشال عون ومجلس النواب نبيه بري الى مائدة الافطار في قصر بعبدا غروب يوم غد الخميس الى إزالة الفتور المتحكم في العلاقة بينهما، ومن ثم القضاء على الشيطان الذي يسكن في تفاصيل المفاوضات الجارية حول قانون الانتخاب.

ليس سراً أن الكيمياء السياسية شبه مفقودة بين الرئاستين الاولى والثانية، لكن المفردات اللغوية التي خاطب بها الرئيس بري في مؤتمره الصحافي الرئيس عون وما اظهره من ودّ واحترام لشخصه اظهر بوضوح حرص الرئيس بري وربما حرص متبادل على عدم قطع «شعرة معاوية» في علاقاتهما والابقاء على ابواب الاخذ والرد مفتوحة، باعتبار ان سلوك غير هذا الطريق او النهج السياسي سيكون مردوده كارثياً على الوضع اللبناني برمته.

وانطلاقاً مما تقدم لا يمكن وضع مضمون المؤتمر الصحافي للرئيس بري في خانة التصعيد او التصويب على الرئيس عون بقدر ما كان محطة لتوضيح بعض الملابسات التي يمكن ان يقع في شباكها الرأي العام، فرئيس المجلس تسلح بالدستور والكتاب لتبرير دعوته المجلس النيابي للانعقاد بمعزل عن الدعوة لفتح دورة استثنائية، وهو الذي كان يظن بنتيجة بعض اللقاءات والاتصالات التي حصلت بأن مرسوم فتح هذه الدورة في الطريق اليه قبل الموعد الذي كان مقررا لانعقاد الجلسة في التاسع والعشرين من ايار، وهو على هذا الاساس تصرف وبُحسن النية في توجيه الدعوة ظناً منه بأن الفريق الآخر سيتلقف ذلك بإيجابية، لأن رئيس المجلس كان في مقدوره ان يُبقي على موعد الجلسة قائماً لو كان في نواياه فتح معركة مع رئيس الجمهورية.

هل بات التفاهم بين القوى السياسية قريباً، وباتت ولادة قانون الانتخاب على مرمى حجر على حد ما يعلن البعض؟

ان المتابعين لمسار الاتصالات الجارية يرون في هذا الكلام إفراطاً مبالغاً فيه في التفاؤل، باعتبار ان كل المناخات المحيطة بالمفاوضات الجارية توحي بأنه على الرغم من كل ما قيل ويقال على هذا المستوى بأن النتيجة ما تزال صفراً، وأن الضبابية ما تزال هي السائدة حيال هذه المفاوضات، لا بل ان هناك وعوداً تعطى سرعان ما يتم التنكر لها في اطار لعبة المناورات التي تتحكم بمسار عملية التفاوض الجارية وهو ما يدفع على الاعتقاد بأن الابواب الانتخابية الى الآن ما تزال مفتوحة على كل الاحتمالات من التمديد الى الانتخاب على اساس «الستين» وصولاً الى الفراغ، وإن كان الاخير يبقى احتمالاً ضعيفاً.

ويستغرب هؤلاء طرح «الثنائي المسيحي» فكرة نقل مقاعد نيابية مسيحية من مناطق يعتبرونها ذات طابع اسلامي، ويرون في هذا الطرح وكأن هناك من يريد ان يكون هذا الموضوع حجر عثرة امام امكانية اي تقدم في اتجاه انتاج قانون جديد للانتخاب، وهم يطرحون السؤال الطبيعي والمنطقي، ماذا لو طلب الفريق الآخر الشيء نفسه، فهل سيكون ذلك لمصلحة البلد، ام يؤدي ذلك الى نوع من الفرز السياسي الذي يعد منطلقاً للتقسيم بين اللبنانيين؟

ويؤكد المتابعون لمسار عملية التفاوض ان هذا الطرح بلا شك ولد ميتاً، وهو لن يجد من يسهل له الطريق، وقد عبر رئيس المجلس النيابي على ذلك بوضوح في مؤتمره الصحافي حيث وصل الى حد التلويح بالتراجع عن قبوله بقانون الستين على اساس الـ 15 دائرة في حال تصلب الفريق المطالب بنقل المقاعد برأيه، هذا عدا الرفض الاسلامي له إن كان على مستوى رئاسة الوزراء او الافرقاء الآخرين وقد ابرز ذلك بالامس الرئيس نجيب ميقاتي الذي اعلن رفض الدعوة لنقل المقعد الماروني من طرابلس كون ان هذا الطرح برأيه يحمل في طياته خطورة كبيرة لانه يعني عملياً شرعنة الانقسام بين اللبنانيين، وبداية فيدرالية سياسية مرفوضة.

وأمام هذه الأبواب الموصدة في وجه هذا الطرح غير المنطقي لفريق يطالب بالشراكة والميثاقية والحفاظ على العيش المشترك، فإن المتابعين لمسار التفاوض لا يرون ان هذا الطرح قابل للحياة، لا بل انهم يجزمون بأن اصحاب هذا الخيار سيتراجعون عنه لعلمهم المسبق بأن معركتهم في هذا الاطار خاسرة، غير انهم ربما يذهبون الى مزيد من المناورة في اطار محاولة تحصيل ما يمكن تحصيله على مستوى القانون بشكل عام او في اماكن اخرى.

ويعرب هؤلاء المتابعون بأن 5 الايام التي تفصلنا عن الخامس من حزيران موعد انعقاد جلسة مجلس النواب ستكون اياما مفصلية، فإما نذهب في اتجاه التفاهم على قانون انتخاب ونذهب بالتالي الى اجراء انتخابات نيابية يتوقع لها ان تكون في ايلول المقبل على ابعد تقدير، وإما ان نكون امام تصعيد سياسي غير مسبوق يكون بمثابة المحدلة التي تعبد الطريق امام قانون الستين هرباً من التمديد او الفراغ حيث يشكل كل خيار من الاثنين صفعة توجه على وجه مختلف القوى السياسية التي حتماً ستفقد ثقة الرأي العام بها، وتكون ايضاً محل إزدراء القوى الخارجية التي ما برحت تحث القوى السياسية على اجراء الانتخابات النيابية حفظاً للاستقرار العام ومنعاً لسقوط الديموقراطية.