في شهر آذار (مارس) من العام الحالي، عنونت صحيفة «الواشنطن بوست»: «الماضي الأسود والمثير للجدل» لمستشار حملة ترامب الانتخابية لشؤون مكافحة الإرهاب، ​وليد فارس​. واستندت الصحيفة إلى تحقيق استقصائي أجراه الصحافي آدم سيروير الكاتب في مجلة «ماذر جونز» عام 2011.

ويذكر سيروير بأن فارس، خلال مرحلة الثمانينات من القرن الماضي، قام بدور المُنظر الأيديولوجي لعناصر الميليشيا التي انتمى إليها عبر ترويج وتعليم نظريات عقائدية تبرر الحرب ضد المسلمين والدروز، وذلك بحسب زميل سابق لفارس. وأشارت «واشنطن بوست» إلى أن فارس كان من المنظرين لإقامة وطن مسيحي مستقل.. وتصل الصحيفة إلى حد تحميل فارس مسؤولية معنوية في ارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا التي ذهب ضحيتها" المئات "(الألاف) من اللبنانيين و الفلسطينيين نظراً لدوره في تحفيز العناصر الميليشياوية على القتل.

في كتابها «ألقيت السلاح»، تروي «القواتية» السابقة ريجينا صنيفر، تجربتها خلال الحرب الأهلية وهي لم يناهز آنذاك عمرها العشرين عاماً، لتخلص في كتابها إلى نبذ الحرب والعنف وتقول إنها تعرضت للتضليل على يد وليد فارس الذي برر «قتالنا ضد المسلمين تحت ذريعة إقامة الوطن المسيحي الخاص المستقل والمنفصل».

وفي دراسة قدمها لمركز آرييل حاول فارس إقناع الإسرائيليين بإقامة «دويلة مسيحية» مستقلة في الشريط الحدودي المحتل جنوب لبنان قبل الإنسحاب الإسرائيلي، تكون عاصمتها مرجعيون ومنفذها البحري مرفأ الناقورة وامتدادها وعمقها يكون في إسرائيل.

كما يُروى عن فارس إعجابه بفكرة أن تستخدم إسرائيل سلاحها النووي للتصدي للخطر القادم من الشمال- أي جنوب لبنان- ولكنه عاد واستطرد بأن ذلك مجرد إحتمال حسب صحيفة «جيروزاليم بوست».

صحيفة «الغارديان» وصفت وليد فارس بأنه من المروجين للإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة وبأنه يتربع على مجلس إدارة أكبر منظمة معادية للمسلمين في الولايات المتحدة Act for America وكان عضواً سابقاً في منظمة The Clarion Project وهي منظمة تروج للدعاية المعادية للمسلمين وتوضح «حقيقتهم» حسب مفهومها العنصري .كذلك أشارت «الغارديان» إلى أن فارس «محرر مساهم» في المدونة الإلكترونية العدائية تجاه المسلمين Family Security Matters.

وفي مسعى لتلميع صورته في الإعلام الأميركي أنبرى أصدقاء فارس للدفاع عنه، فكتب الضابط السابق في الجيش الإسرائيلي يائير رافيد مقالاً مطولاً في «جيروزاليم بوست» أثنى فيه على «الحسّ الوطني» لدى فارس وعلى حبه الكبير لوطنه الأول لبنان. كما كتبت سارة ستيرن المفكرة الإسرائيلية الولاء (كما يرد في شرح على هامش المقال) في صحيفة «إسرائيل هايوم» مقالاً آخر ترويجياً عن فارس وعن سيرته الغنية مُذ كان في صفوف الميليشيات اللبنانية. ولم تنس الكاتبة أيضاً أن تثني على حب فارس لوطنه لبنان، وسعيه الدؤوب لإخراجه من محنة احترابه الأهلي.

هذه عينة قليلة مما واجهه وليد فارس في الصحافة الأميركية التي لم يكن بإمكانها طمس تاريخه الأسود أو السكوت عنه، وهو كما يبدو الأمر الذي شكل عائقاً أمام تسلمه منصباً رسمياً في إدارة الرئيس ترامب "المترنحة" تحت سيل الإتهامات منذ يومها الأول، ولا يناسبها إضافةً سلبية إلى طاقمها تفتح عليها فتوحات الصحافة والإعلام... لكن فارس يعزو لنفسه الفضل في فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية ومع ذلك وجد نفسه خارج جنة السلطة، بل وجد من يريده بوقاً إعلامياً يروج لسياسات الإدارة من غير أن يكون له باع فيها، وقد استمرت بعض الفضائيات العربية باستضافته بصفته مستشار ترامب السياسي لشؤون الشرق الأوسط إلى أن مُنع من استخدام هذه الصفة ليتم استبدالها بالمستشار السابق لحملة ترامب الإنتخابية.

أصيب الرجل بخيبة أمل ولكنه لم ييأس، فالفرصة لن تتكرر لرجل ظل زهاء ثلاثة عقود ينظّر للخطر القادم من بلاد المسلمين، لم يحظ بفرصته إباّن ولايتي جورج بوش الابن مع أنه كان من فريق المحافظين الجدد الذين طغى عليهم حضور دانيال بايب وجون بولتون. خسر المرشح الرئاسي ميت رومني في انتخابات عام 2012 ومرة أخرى، تبددت آمال فارس، الذي شغل مستشاراً لحملته، في لعب دور محوري في دوائر القرار الضيقة... ملّ فارس التحليل والتنظير من دون جدوى وطائل، إلى أن لاح طيف ترامب في الأفق لترتفع أسهمه لدى الجمهوريين مجدداً، وبمساعدة من المتمول وتاجر العقارات اللبناني الأصل توماس باراك، الصديق المقرب من ترامب، عُيِّن فارس مستشاراً لشؤون مكافحة الإرهاب في حملة المرشح الجمهوري المثير للجدل.

فاز ترمب ولكن مجدداً تبددت آمال فارس الذي عاد إلى المربع الأول ولم يجن إلا البهورة والأضواء الإعلامية التي سرعان ما خفتت أميركياً… فوجد "الفارس" ضالته في لبنان...

بالرغم من انقطاع فارس عن زيارته لوطنه الأم «إلا أنه بقي في وجدانه وقلبه»، وراح ينسج الأحلام في مخيلته حول مستقبل الوطن الذي تركه ويسعى إلى العودة إليه ولكن بروحية المنتصر بعد أن غادره مهزوماً ، ولا سبيل لذلك سوى بوابة القوة العظمى في العالم. لكن من البديهي أن تُحجب المناصب الرسمية الأميركية عن فارس في لبنان أيضاً، نظراً لدوره إباّن الحرب اللبنانية ولكثرة خصومه في الساحة المسيحية قبل الإسلامية .

منصب السفير الأميركي في لبنان سيشغر في وقت قريب، فالسفيرة الحالية إليزابيت ريتشارد من مخلفات إدارة أوباما ولا يمكن لها أن تقوم بالمهمة الجديدة، ومن لها غير «فارس» الإدارة الأميركية وعينها الساهرة في التنظير لمكافحة الإرهاب والتطرف والإخوان والنظام السوري والتمدد الإيراني في آن.

و في منحى يخدم تطلعات فارس، وبقدرة قادر ومباشرة بعد إطلالة الرجل على محطة «أم تي في»، تم تسريب خبرٍ مفبرك نشرته نفس المحطة على موقعها الإلكتروني يزعم إمكانية تعيين جان عاقوري، اللبناني الأصل، والمقيم في ولاية ميشيغن، سفيراً للولايات المتحدة في لبنان.

الخبر كان هزلياً بامتياز ويبعث على السخرية. فكان مفبركاً، شكلاً ومضموناً، لكنه شكل مادة دسمة للصحافة اللبنانية على مدى الأيام القليلة الماضية وتناقلته الوسائل الإعلامية بصيغة شبه موحدة مع إدراج سيرة ذاتية لعاقوري معظمها مختلق فيها تعداد لمواهبه المتنوعة في الإدارة والقيادة، واصفة إياه بأنه رجل المرحلة الدقيقة والحساسة، والمصادفة أن الوصف الذي تضمنه الخبر عن دقة وحساسية المرحلة التي يمر فيها لبنان هو ترداد للحديث الذي قاله فارس في إطلالته على هواء «أم تي في»!

ثم بدأت حفلة من الجنون على صفحة عاقوري على موقع فايسبوك، لتنهال التهاني والتبريكات على الرجل ولم يكن ينقص سوى عقد حلقات الدبكة وتوزيع الحلوى احتفالاً بالسفير العتيد.

وتباعاً نشرت صحيفة «ديترويت نيوز» مقالاً مستنداً إلى محتوى صفحة عاقوري على فيسبوك وإلى الخبر المُفبرك في لبنان، في محاولة مدفوعة ومكشوفة لإعطاء الخبر مصداقية ما، ثم ليعاد ترجمة الخبر ونشره مرة أخرى في لبنان بصيغة جديدة ، ولكن هذه المرة من مصدر أميركي!

ومن يشتغل بالحقل السياسي الأميركي يعلم بأن السفارات في كافة البلدان تقوم بجمع تقارير آخر النهار عن الحركة السياسية بما فيها تلخيص أهم ما يرد في الصحف والوسائل الإعلامية وتقوم بإرساله على شكل تقرير يومي إلى وزارة الخارجية الأميركية، فكيف إذا كان الخبر يتعلق بسفيرة «تحزم حقائبها» وهي لا تعلم، وبتعيين سفير بدأت احتفالات تنصيبه من ميشيغن إلى العاقورة من دون المرور بعوكر!

والمقصود من هذه الفبركة الإعلامية وإعادة تدويرها في حلقة مفرغة ، هو إيصال نبذة عن عاقوري -صديق «البروفيسور» فارس- إلى وزارة الخارجية والى مكتب الوزير ريكس تيلرسون ليتولى بعد ذلك القيمون على التسريب المفبرك زجّ اسم عاقوري في بورصة الأسماء المقترحة علّ وعسى أن تلعب الظروف لصالحه، وربما يسمع ترامب هذه المرة لصوت صديقه توماس باراك اذا استطاع فارس تجنيده لخدمة هدفه المنشود .فهل يعود فارس الى لبنان من بوابة السفارة الأميركية بلعبة الهواة والمراهقين ولو بعمر الستين ؟